بيان أن الشهادة في سبيل الله تتفاضل

0 422

السؤال

بالنسبة للحديث: أن رجلين من بلي قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إسلامهما جميعا فكان أحدهما أشد اجتهادا من الآخر فغزا المجتهد منهما فاستشهد ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي، قال طلحة: فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة إذا أنا بهما فخرج خارج من الجنة فأذن للذي توفي الآخر منهما ثم خرج فأذن للذي استشهد ثم رجع إلي فقال ارجع فإنك لم يأن لك بعد، فأصبح طلحة يحدث به الناس فعجبوا لذلك فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثوه الحديث فقال من أي ذلك تعجبون؟ فقالوا يا رسول الله هذا كان أشد الرجلين اجتهادا ثم استشهد، ودخل هذا الآخر الجنة قبله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس قد مكث هذا بعده سنة؟ قالوا بلى، قال وأدرك رمضان فصام وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟ قالوا بلى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض ـ الراوي: طلحة بن عبيد الله، المحدث: الألباني ـ المصدر: صحيح ابن ماجه ـ الصفحة أو الرقم: 3185، خلاصة حكم المحدث: صحيح.
1ـ هل هذا الحديث يحمل على أن الشهيد ـ الرجل الأول والذي غزا وهو الأشد الاجتهادا ـ كان في جهاد طلب لا في جهاد دفع؟ وهل جهاد الدفع لا يحمل عليه مثل هذا حديث، لأنه كما تعلمون في قضية أحب الأعمال إلى الله تعالى كما أخبر شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم ـ بما معناه ـ إذا حضر وقت الشيء كان أفضل الأعمال إلى الله تعالى القيام به، قال شيخ الإسلام: وقد تقدم أن الأفضل يتنوع، تارة بحسب أجناس العبادات، كما أن جنس الصلاة أفضل من جنس القراءة، وجنس القراءة أفضل من جنس الذكر، وجنس الذكر أفضل من جنس الدعاء، وتارة يختلف باختلاف الأوقات، كما أن القراءة والذكر والدعاء بعد الفجر والعصر هو المشروع دون الصلاة، وعليه، فهل يمكن القول بأن جهاد الدفع هو أحب الأعمال إلى الله تعالى في وقت وجوده وبالتالي فلا ينطبق عليه هذا الحديث، لأنه قد يقول قائل إنه باعتبار ما جاء في الحديث وبالأخذ بظاهره دون فهم معناه الحقيقي، أن الأولى له الجلوس في بيته من أجل العبادة أو العلم الشرعي وتأخير الجهاد لزمن بعيد فبدلا من الجهاد وهو ابن عشرين عاما يجاهد وهو ابن الخامسة والأربعين مثلا، أو حتى ربما جلس وسأل الله تعالى الشهادة دون أن يعزم على نيلها بالجهاد بإذن الله تعالى؟.
2ـ هل قال العلماء إن الرجل الثاني ـ الذي مكث سنة بعد صاحبه ثم توفي ـ قد سأل الله تعالى الشهادة بصدق فنال أجر الشهادة أو بلغه الله تعالى منازل الشهداء وزاد على ذلك عمله الصالح خلال تلك السنة؟ وهل يمكن حمل الحديث على ذلك؟.
3ـ كيف نجمع بين هذا الحديث وبين الحديثين الواردين في أن الشهادة هي أقصى ما يمكن الوصول إليه بعد الأنبياء إن كان مؤمنا في رواية الحديث التالي وهو المؤمن الأول، وفي رواية أخرى لنفس الحديث ضعفها الألباني بلفظة: رجل مؤمن جيد الإيمان ـ فكيف يمكن التوفيق بين الحديث السابق والحديثين التاليين:
1ـ القتلى ثلاثة: مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، فإذا لقي العدو قاتل حتى يقتل، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: فذلك الشهيد الممتحن في خيمة الله تحت عرشه لا يفضله النبيون إلا بدرجة النبوة، ومؤمن خلط عملا صالحا وآخر سيئا جاهد بنفسه وماله في سبيل الله إذا لقي العدو قاتل حتى يقتل، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: ممصمصة محت ذنوبه وخطاياه، إن السيف محاء للخطايا وأدخل من أي أبواب الجنة شاء، ومنافق جاهد بنفسه وماله، فإذا لقي العدو قاتل حتى يقتل، فذاك في النار، إن السيف لا يمحو النفاق ـ الراوي: عتبة بن عبد السلمي المحدث: الألباني، المصدر: تخريج مشكاة المصابيح، الصفحة أو الرقم: 3782، خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح.
2ـ ألا أخبركم بخير الناس منزلة؟ رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله حتى يموت أو يقتل، ألا أخبركم بالذي يتلوه؟ رجل معتزل في شعب يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعتزل شرور الناس، ألا أخبركم بشر الناس؟ رجل يسأل بالله ولا يعطي ـ الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: الألباني، المصدر: صحيح الجامع، الصفحة أو الرقم: 2601، خلاصة حكم المحدث: صحيح.
وجزاكم الله تعالى خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد تكلمنا على حديث الرجلين من بلي في الفتوى رقم: 225841، وذكرنا أن الذي تأخر نال الفضل، لأنه كان مرابطا وطالبا للشهادة بصدق وزاد على ذلك ما عمله من الأعمال بعد صاحبه، فنال بذلك درجة الفضل عليه.

ثم إن الظاهر أن الأول كان في جهاد الطلب، لما في بعض الروايات التي ذكر ابن عبد البر في التمهيد: فبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثا فخرج فيه أحدهم فاستشهد.

وقد ذكر ابن عبد البر في أسباب تفضيل الثاني: أنه زاد بعده كثيرا من الأعمال الصالحة، فقد روى بسنده: أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين رجلين فقتل أحدهما في سبيل الله، ثم توفي الآخر بعده فصلوا عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قلتم عليه ـ قالوا: دعونا الله أن يغفر له ويرحمه ويلحقه بصاحبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين صلاته بعد صلاته وصيامه بعد صيامه وعمله بعد عمله؟ لما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض.

ثم قال أبو عمر: يفسر هذا المعنى ويوضحه قوله صلى الله عليه وسلم: خير الناس من طال عمره وحسن عمله ـ وقوله: ألا أخبركم بخياركم؟ قال: بلى، قال: أطولكم أعمارا، وأحسنكم أعمالا.

واعلم أنه لا فرق في أجر الشهادة بين الشهيد في جهاد الطلب وجهاد الدفع، وأما التوفيق بين هذا وبين ما في الحديثين الأخيرين من فضل الشهادة: فلا شك أن الشهيد القتيل في سبيل الله أفضل من رجل مات معه في نفس الوقت من غير المجاهدين حتى ولو كان من جملة الشهداء، لأن الجهاد في سبيل الله هو ذروة سنام الإسلام وأعلى درجاته.. قال الله تعالى: وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما درجات منه ومغفرة ورحمة وكان الله غفورا رحيما {النساء:95-96}.

وقال تعالى: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله {آل عمران:169ـ170}.

وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الجهاد أفضل؟ قال: من جاهد المشركين بماله ونفسه، قيل: فأي القتل أشرف؟ قال: من أهريق دمه وعقر جواده. رواه أبو داود والنسائي وأحمد، وصححه الألباني.

وأخرج أبو داود في سننه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق، لئلا يزهدوا في الشهادة، ولا ينكلوا عن الحرب؟ فقال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم، وأنزل الله تعالى: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين.

قال الحافظ في الكلام على الشهداء: والذي يظهر أن المذكورين ليسوا في المرتبة سواء، ويدل عليه ما روى أحمد وابن حبان: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده وأهريق دمه ـ رواه الحسن بن علي الحواني في كتاب المعرفة له بإسناد حسن من حديث ابن أبي خالد، قال: كل موتة يموت بها المسلم فهو شهيد غير أن الشهادة تتفاضل ـ ثم قال: ويتحصل مما ذكر من هذه الأحاديث أن الشهداء قسمان: شهيد الدنيا وشهيد الآخرة، وهو من يقتل في حرب الكفار مقبلا غير مدبر مخلصا، وشهيد الآخرة وهو من ذكر، بمعنى أنهم يعطون من جنس أجر الشهداء، ولا تجري عليهم أحكامهم في الدنيا. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة