حكم إخبار الشخص من أراد الزواج منها بما فعله من ذنوب سابقة

0 434

السؤال

أنا شاب أذنبت في حق نفسي، وأعيش عذابا أليما، وكربا عظيما؛ لجرم اقترفته، فليتسع صدركم لي، فأنتم أهل علم، وأنا صاحب جرم، وأرجو أن أجد بصيصا من النور في ديني، فقد تعرفت إلى فتاة دون علم أهلها، وأريد الزواج منها، وأحلم أن تكون زوجة لي، ورأيت فيها إنسانا مقدسا وطاهرا بالنسبة لي، ولكني تذكرت أني في الماضي وقعت في مقدمات الزنا واللواط، وكنت أمارس العادة السرية، وكففت عنها، وعندما تذكرت هذا شعرت بأني إنسان نجس مقارنة بهذه الفتاة، فلم أحتمل حرقة قلبي، فصارحتها بمقدمات الزنا التي كنت أمارسها لعدة سنين فقط، وحرقة قلبي دفعتني دفعا لكي أخبرها، فلا طاقة لي ولا حول أمام العذاب الذي شعرت به، فشعرت بالانهيار، ورأيت منها ردة فعل عنيفة، ما زالت آثارها باقية في نفسي حتى اليوم، وأصبحت لا أثق في نفسي بالمرة، وأخاف خوفا شديدا من فقدانها، وكنت مع مرور الوقت أتذكر قذارتي، وأفعالي النجسة، وأزداد انهيارا وعذابا، ومن فرط خوفي وجزعي من فقدانها أصبحت أتخيل أني فعلت أشياء، كأن أتخيل أن فرجي قد لامس فرج فتاة أخرى في الماضي، فقد لامست فتيات، وحصل مني كل شيء إلا الجماع، ولم أكن أشعر بالراحة إلا إذا أفصحت لها عن هذه القاذورات، فهي كالحمل الثقيل في داخلي، ولقد تعذبنا - أنا وهي –كثيرا، ولا أحتمل أن أخفي عنها شيئا، ولو كان موضع شك، وأصحبت مليئا بالشك والوهم، وتحولت حياتي إلى شكوك وأوهام، وضعفت ذاكرتي، وضعف ذاكرتي سبب لي الوهم والشك، فماضي ضبابي، ومظلم، ومليء بالخوف والشك؛ حتى أني شككت أني وقعت في الزنا الأكبر حقا، وتذكرت أني في الماضي فعلت أفعالا، ومع استحيائي من ذكرها فإني مضطر لقولها، وتذكرت أني أعطيت عضوي الذكري لطفل صغير ليداعبه بيده، ويمصه، ومع الوقت جاءني شك أن هذا الطفل قد يكون أخي الصغير، فشعرت بانهيار، وحزن، وألم، وأسى، وحرقة لا توصف، وكنت أسأل نفسي: أين كان عقلي في ذلك الوقت؟ وشعرت أني كنت غافلا بلا عقل، ودخلتني شكوك بأن منيي الذي كان يخرج مني عند ملامستي لبعض الفتيات قد دخل لفروجهن، ولو دون جماع, وأصبح عندي وسواس رهيب يقول: إنه سيكون لي ولد في هذه الدنيا دون علمي، لا سيما أني أتذكر ملامستي لفتاة لديها مشاكل عقلية، واطلعت على فرجها، وأردت أن أجامعها فرفضت، وخافت، ودفعتني، وقالت: هذا للزواج فقط، وانتابتني الشكوك، بل هي تحرقني وتعصرني عصرا، وعندما أتذكر تلك الفتاة أعيش العذاب، عندما أشك أن فرجي لامس فرجها، أو تأتيني وسوسة تقول: إنها قد تكون لمست فرجها ويدها مغطاة بمنيي، وحملت مني، فأنا لا أعلم، وتأتيني وسوسة أخرى تقول لي: لعلها اغتسلت فانتفل المني عبر الماء إلى فرجها، ونتج الولد، وتوسوس لي نفسي أنها مجنونة، ويمكن لها أن تخبر أني صاحب الولد لجنونها، هذا إن كان لي ولد حقا، أرجو أن تتلطفوا بنا في الإجابة - رحمكم الله، ورأف بكم - فأنا أعاني العذاب منذ سنتين دون توقف، ولا أريد أن أتعذب أكثر، فهل يوجد حل لعذابي، ولهذه الحياة المرة البائسة؟ وكيف أداوي ما بي من شك رهيب ملأ كل حياتي؟ وهل يجوز لي ستر نفسي ولو بالكذب؛ حتى لو وقعت في الزنا واللواط حقيقة؟ وهل يجوز لي أن أكذب على هذه الفتاة لستر كل ما ألم بي من معاص؟ وهل يجوز لي أن أكذب على أهلها وأبيها لستر ما بي من قذارة، ولو صح أني ارتكبت عيبا مع أخي في صغره؟ ففي مجتمعنا بعض الآباء سيألون عن عفة الرجل قبل القبول به، أرجو منكم الجواب، فأنا ألتمس الشفاء في ديني، وأرى فيه سبيل خلاصي من عذابي، وهل كثرة ارتكابي للفاحشة يخول لي سترها عن الفتاة وأبيها ولو بالكذب؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فإن الله تعالى جعل ابن آدم خطاء، ويحب منه إذا أخطأ أن يعود إليه، روى أحمد، والترمذي، وابن ماجه عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون.

وهو سبحانه قد فتح باب التوبة على مصراعيه، ويقبل من يرجع إليه تائبا منيبا، وقد يبدل سيئاته حسنات تكرما وتفضلا منه، قال تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم {الزمر:53}، وثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه. فبادر إلى التوبة، وأصلح العمل، وأحسن الظن بربك، فهو عند ظن عبده به.

 وينبغي أن تستأنف حياتك كأن شيئا لم يكن، وأن تعمل على ما فيه خير دينك ودنياك، ولا تلتفت إلى الماضي متحسرا متندما، فإن ذلك يضرك ولا ينفعك، ويقعدك عن طلب المعالي؛ ولذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل هذا، حيث قال في الحديث الذي رواه مسلم أيضا عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان

فما يحدث لك الآن من كيد الشيطان؛ لينكد عليك حياتك، ويدخل على قلبك الأحزان، فإذا انتابتك هذه الوساوس فاستعذ بالله من شره، والتجئ إليه؛ لتحتمي بحماه، فهو الحصن الحصين، والركن الركين، واحرص على رقية نفسك بالرقية الشرعية، والمحافظة على الفرائض، ولزوم الذكر، وخاصة أذكار الصباح والمساء، وابحث عن أصحاب خيرين؛ ليكونوا زينا لك في الرخاء، وعدة في البلاء، وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 4310

ويجدر بنا أيضا أن نشير إلى أن عليك مراجعة بعض أهل الاختصاص من الأطباء النفسيين - إن تطلب الأمر ذلك - واجتهد في تحري الثقات منهم، أهل الدين والتقوى، فقد تكون في حاجة إلى شيء من التوجيهات، والعقاقير التي قد تهدئ من روعك، وتعينك على التفكير السليم - نسأل الله لنا ولك العافية من كل بلاء -.

وننبه في الختام إلى أن المسلم إذا ابتلي بالوقوع في شيء من الذنوب وجب عليه مع التوبة أن يستر على نفسه، ولا يخبر بذنبه أحدا من الناس، فالستر سبب للعافية، والمجاهرة سبب للبلاء، روى البخاري، ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه.

وإذا سئلت عن عفتك، وعن ذنوبك، فاستر على نفسك، واستعمل التورية، فإن لم يمكن التهرب من السؤال إلا بالكذب جاز ذلك، وقد أخطأت في إخبار الفتاة بما حصل منك - نسأل الله أن يتجاوز عنك، وأن يسترك بستره -.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة