كيفية التوبة من الإسراف في إنفاق المال والطعام وتضييع الوقت

0 338

السؤال

كيف تمكن التوبة من ذنوب الإسراف في:
1) إنفاق المال والتبذير
2)إنفاق الوقت في ما لا ينفع وربما يضر
3)الإسراف في تناول الطعام حتى الوصول لدرجة التخمة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن السرف والتبذير محرمان، وقد جاءت النصوص في الكتاب والسنة تحذر منهما معا؛ قال الله تعالى: وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا * إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا [الإسراء:26-27].
وقال تعالى: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين. [الأعراف:31].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه. رواه أحمد والترمذي وهو حديث صحيح.
وقال الإمام البخاري في صحيحه: باب قول الله تعالى: (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده) [لأعراف:32]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلوا واشربوا، والبسوا، وتصدقوا. في غير إسراف، ولا مخيلة.

وقال السرخسي في المبسوط -حنفي-: وأما السرف فحرام؛ لقول الله تعالى: ولا تسرفوا. وقال جل وعلا: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا [الفرقان:67]. وذلك دليل على أن الإسراف، والتقتير حرام، وأن المندوب إليه ما بينهما. انتهى.
وقال الخادمي في بريقة محمودية -حنفي-: اعلم أن الإسراف حرام قطعي، لثبوته بقطعي، ومرض قلبي، وخلق رديء دنيء، ولا تظنن أنه أدنى كثيرا في القبح من البخل... انتهى.

وقال في المبسوط: ولأنه إنما يأكل في منفعة نفسه، ولا منفعة في الأكل فوق الشبع، بل فيه مضرة، فيكون ذلك بمنزلة إلقاء الطعام في مزبلة، أو شر منها؛ ولأن ما يزيد على مقدار حاجته من الطعام فيه حق غيره، فإنه يسد به جوعته إذا أوصله إليه بعوض أو بغير عوض، فهو في تناوله جان على حق الغير، وذلك حرام؛ ولأن الأكل فوق الشبع ربما يمرضه، فيكون ذلك كجراحته نفسه. انتهى.

وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية: وقال الشيخ تقي الدين: الإسراف في المباحات هو مجاوزة الحد، وهو من العدوان المحرم. انتهى.

ويكره تضييع الوقت الذي يمكن أن يوظف في الأمور النافعة، وصرفه فيما لا ينفع، وأما إن تؤكد من صرفه فيما يضر، فيكون ممنوعا؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:  لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ. رواه البخاري.

وقال صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم. رواه الترمذي وغيره.

 وفي القاعدة الأصولية التي ذكرها صاحب المراقي: وأصل كل ما يضر المنع.
وقال الشاطبي في الموافقات: اللهو، واللعب، والفراغ من كل شغل إذا لم يكن في محظور، ولا يلزم عنه محظور، فهو مباح، ولكنه مذموم، ولم يرضه العلماء، بل كانوا يكرهون أن لا يرى الرجل في إصلاح معاش، ولا في إصلاح معاد؛ لأنه قطع زمان فيما لا يترتب عليه فائدة دنيوية، ولا أخروية. انتهى.
وأما عن التوبة فهي ممكنة، فإن الله تعالى يأمر كافة عباده المؤمنين بالتوبة الصادقة، وقد أخبرنا بسعة عفوه وكرمه ورحمته، وبشرنا بقبول التوبة ومغفرة الذنوب للتائب؛ فقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا. [التحريم: 8].
وقال: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده  {الشورى:25}.

وقال الله تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم {الزمر:53}.
وقال الله تعالى: فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم. {المائدة:39}.

وقال تعالى: كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم. {الأنعام: 54}.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها. رواه مسلم.

وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. رواه أحمد والترمذي وحسنه، وابن ماجه، وحسنه الألباني.
وقد ذكر العلماء للتوبة شروطا لا بد منها:
1- ترك التلبس بالمعصية، بحيث يبتعد الشخص عنها؛ لأن المقيم على فعل المعاصي لا يمكن أن يصف نفسه بأنه تائب.
2-العزم على عدم الرجوع إلى المعصية.
قال تعالى: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون. [آل عمران:135].
فلا بد من عدم الإصرار على الذنب.
3- الندم على فعل الذنب، فإن الذي يرتاح للذنب والوقوع فيه، كاذب في توبته. 

ويتولد الندم، وصدق التوبة بالخوف من خطر المعاصي، وبالاطلاع على نصوص الترهيب منها، وما تسببه من فوات المصالح في الدنيا والآخرة.
قال ابن القيم رحمه الله: التوبة المقبولة الصحيحة لها علامات.

منها: أن يكون بعد التوبة خيرا مما كان قبلها.

ومنها: أنه لا يزال الخوف مصاحبا له لا يأمن مكر الله طرفة عين، فخوفه مستمر إلى أن يسمع قول الرسل لقبض روحه: {أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون} [فصلت: 30]. فهناك يزول الخوف.

ومنها: انخلاع قلبه، وتقطعه ندما وخوفا، وهذا على قدر عظم الجناية وصغرها، وهذا تأويل ابن عيينة لقوله تعالى: {لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم} [التوبة: 110] قال: تقطعها بالتوبة، ولا ريب أن الخوف الشديد من العقوبة العظيمة يوجب انصداع القلب وانخلاعه، وهذا هو تقطعه، وهذا حقيقة التوبة؛ لأنه يتقطع قلبه حسرة على ما فرط منه، وخوفا من سوء عاقبته، فمن لم يتقطع قلبه في الدنيا على ما فرط حسرة وخوفا، تقطع في الآخرة إذا حقت الحقائق، وعاين ثواب المطيعين، وعقاب العاصين، فلا بد من تقطع القلب إما في الدنيا، وإما في الآخرة. انتهى.

وقال الغزالي في الإحياء: اعلم أن التوبة عبارة عن معنى ينتظم ويلتئم من ثلاثة أمور مرتبة: علم، وحال، وفعل. فالعلم الأول، والحال الثاني، والفعل الثالث. والأول موجب للثاني، والثاني موجب للثالث إيجابا اقتضاه اطراد سنة الله في الملك والملكوت.

أما العلم فهو معرفة عظم ضرر الذنوب، وكونها حجابا بين العبد وبين كل محبوب. فإذا عرف ذلك معرفة محققة، بيقين غالب على قلبه، ثار من هذه المعرفة تألم للقلب بسبب فوات المحبوب؛ فإن القلب مهما شعر بفوات محبوبه تألم، فإن كان فواته بفعله، تأسف على الفعل المفوت، فيسمى تألمه بسبب فعله المفوت لمحبوبه ندما. فإذا غلب هذا الألم على القلب واستولى، وانبعث من هذا الألم في القلب حالة أخرى تسمى إرادة، وقصدا إلى فعل له تعلق بالحال، والماضي، وبالاستقبال. أما تعلقه بالحال فبالترك للذنب الذي كان ملابسا، وأما بالاستقبال فبالعزم على ترك الذنب المفوت للمحبوب إلى آخر العمر. وأما بالماضي فبتلافي ما فات بالجبر والقضاء إن كان قابلا للجبر. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات