حكم انتساب العبد لسيده، وحكم وصية السيد لعبده

0 253

السؤال

اشترى جدي عبدا، وقبل أن يموت أوصى بأن يحمل اسمه، ويقاسم أولاده تركته - كأنه ولده – ونحن نعد أحفاد العبد الآن أبناء عمومتنا، لهم ما لنا، وعليهم ما علينا، ونتقاسم معهم الأرض، وجدنا أصبح جدهم، ونستحيي الآن أن نذكرهم بحقيقتهم، وإذا مازحهم أي شخص بذلك يغضبون، بل أصبحت هوياتهم وأوراقهم الرسمية في الدولة تدل على أنهم أبناء عمومتنا، ويحملون لقب جدي في أوراقهم الحكومية، مثل: جواز السفر، وبطاقة الهوية، وغيرها، فهل هذا جائز؟ وكيف نتصرف الآن إذا كان هذا الأمر غير جائز - جزاكم الله خيرا -؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فنقول ابتداء: ما  تدعيه من أن من يعتبرون أولاد عمومتكم الآن هم أولاد عبد جدك في الحقيقة، هذا يحتاج إلى إقامة بينة، إن كان أولئك لا يقرون بأنهم كذلك؛ لأن الناس مؤتمنون على أنسابهم، فإن أنكروا كون جدهم كان عبدا لجدك، وقالوا: إنه ابنه حقيقة، وأنهم من عمومتكم لم يقبل قولك دون إقامة بينة, وإن ثبت أنهم كما قلت، فإننا سنتطرق في جوابنا إلى مسألتين:

أولهما: حكم وصية جدك لعبده من حيث صحة الوصية أو عدمها.

وثانيهما: حكم انتسابهم إلى جدك.

فأما وصية جدك لعبده: فهذه ينظر فيها إلى حال ذلك العبد حين الوصية، فإن كان حرا حين الوصية - أي: أن جدك أعتقه، ثم أوصى له - فهذه وصية لحر غير وارث، ولا إشكال فيها، فتمضى في حدود الثلث فقط، وما زاد عن الثلث لا يمضى إلا برضا الورثة.

وإن كان الموصى له عبدا حين الوصية - أي: أن جدك أوصى له، وهو قن - فإن هذه وصية من سيد لعبده، ويجري فيها خلاف الفقهاء فيمن أوصى لعبده, جاء في الموسوعة الفقهية: وإن أوصى السيد لعبده بجزء شائع من ماله، فقد اختلف الفقهاء في صحة ذلك، فذهب الحنفية، والحنابلة، والشافعية في قول إلى أن الوصية بذلك صحيحة، وتصرف جميعها إلى عتق العبد، فإن خرج العبد من الوصية عتق، واستحق باقيها بعد قيمته، وإن لم يخرج عتق منه بقدر الوصية، ثم قال الحنفية: يستسعى بعد ذلك فيما بقي منه على الرق, ووجه الصحة: أن الجزء الشائع يتناول العبد لأنه من جملة الثلث الشائع، والوصية له بنفسه تصح ويعتق، وما فضل يستحقه لأنه يصير حرا فيملك بالوصية، فيصير كأنه قال: أعتقوا عبدي من ثلثي، وأعطوه ما فضل منه, والأصح عند الشافعية أنه يكون له بنسبة ذلك الجزء من رقبته، ومن سائر التركة.
وإن أوصى له بمعين - كثوب، أو دار، أو بمائة درهم مثلا - فالجمهور على أن الوصية باطلة؛ لأن العبد يكون ملكا للورثة، فما وصى له به يكون ملكا لهم، فكأنه أوصى للورثة بما يرثونه, وقال مالك، وأبو ثور، وهو رواية عن أحمد: تصح. اهــ.

وأما وصيته بأن يحمل اسمه: إن كنت تعني أن ينسب إليه: فهذا لا يجوز؛ للأحاديث الكثيرة الدالة على تحريم الانتساب إلى غير الأب، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر، ومن ادعى قوما ليس له فيهم، فليتبوأ مقعده من النار. متفق عليه. وكقوله صلى الله عليه وسلم: إن من أعظم الفرى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه ... الحديث رواه البخاري, وكقوله صلى الله عليه وسلم: من ادعى أبا في الإسلام غير أبيه، يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام. متفق عليه، وكقوله صلى الله عليه وسلم : ... ومن ادعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه، فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا، ولا عدلا ... الحديث رواه مسلم، فلا يجوز نسبة ذلك العبد إلى سيده.

وأما كيف تتصرفون الآن: فإنه ينبغي لكم نصح أولئك الأولاد والأحفاد، بأن ينتسبوا إلى أبيهم الحقيقي، لا إلى جدكم, ويجب عليهم تغيير هذا المنكر، واستبدال تلك المستندات الرسمية التي ينسبون فيها إلى غير أبيهم بأخرى ينسبون فيها إلى أبيهم, وعليكم أن تنصحوهم فإن الدين النصيحة.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة