حكم كتابة الولد وصية أمه بأكثر من الثلث دون إعلام بقية الورثة

0 252

السؤال

والدتي تبلغ من العمر قرابة الثمانين، وتصر على أن أكتب لها وصيتها بخط يدي، بأنها تريد أن يباع منزلها بعد وفاتها - ويبلغ أكثر من ثلثي ما لديها – ويبنى بالمال مسجد، فهل علي حرج إن كتبت الوصية، ولم أخبر إخوتي؟ وهل يحق لها أن تتصرف بكل ما لديها قبل وفاتها حتى تحرم ورثتها؟ أنا لا أريد من ميراثها شيئا، ولكني أخاف أن يغضب إخوتي علي لعدم إخبارهم بنواياها؛ حيث إنني وكيلة حساباتها؟ أرشدوني - بارك الله بعلمكم، وعملكم -.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فلا حرج عليك في الأصل في كتابة وصية أمك، لا سيما إذا أمرتك، بل هذا من البر, ولا يلزمك شرعا أن تخبري إخوتك بالوصية, ولكن ننبهك إلى أمرين:

أولهما: أن وصيتها لا تثبت بدون إشهاد إن لم يقر بها الورثة بعد موتها, وقد اختلف الفقهاء في عدد الشهود الذين تثبت بهم الوصية، فمنهم من قال تثبت برجل وامرأتين، أو رجل ويمين, ومنهم من قال لا تثبت إلا برجلين.

قال ابن مفلح الحنبلي في الفروع: هل يقبل في الإيصاء بالمال رجل وامرأتان، أو رجل ويمين، أم لا يقبل إلا رجلان؟ أطلق الخلاف، وأطلقه في الرعايتين، والحاوي, إحداهما: يقبل، وهو الصحيح .... والرواية الثانية: لا يقبل فيه إلا رجلان، قال ابن أبي موسى: لا تثبت الوصية إلا بشاهدين ... اهـ.

فمجرد كتابتك أنت للوصية لا تكفي في إثباتها.

ثانيهما: أن وصيتها بما يزيد على ثلث تركتها لا تصح، ولا يمضي منها إلا قدر الثلث؛ لحديث سعد لما أراد أن يوصي بشطر ماله، فلم يأذن له النبي صلى الله عليه وسلم وقال: فالثلث، والثلث كثير إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس في أيديهم ... " متفق عليه.

قال ابن قدامة في المغني: وجملة ذلك أن الوصية لغير الوارث تلزم في الثلث من غير إجازة، وما زاد على الثلث يقف على إجازتهم، فإن أجازوه جاز، وإن ردوه بطل. في قول جميع العلماء. والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد حين قال: أوصي بمالي كله؟ قال: لا، قال: فبالثلثين؟ قال: لا، قال: فبالنصف؟ قال: لا، قال: فبالثلث؟ قال: الثلث، والثلث كثير  وقوله عليه السلام: إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند مماتكم يدل على أنه لا شيء له في الزائد عليه. اهــ.

إذا تبين هذا فانصحي والدتك بما ذكرنا من أن الشرع يمنع من الوصية بما يزيد على الثلث، واتباع الشرع خير لها.

وأما قولك: وهل يحق لها أن تتصرف بكل ما لديها قبل وفاتها حتى تحرم ورثتها؟

فجوابه: إن كانت في مرض مخوف، فإنها ليس لها الحق في التصرف فيما يزيد على الثلث من تركتها، ويجوز الحجر عليها حتى لا تضر بحق الورثة.

قال في كشاف القناع: وهو - أي: الحجر - على ضربين, أحدهما حجر لحق: أي: حظ الغير, أي: غير محجور عليه كحجر على مفلس لحق الغرماء, وعلى مريض مرض الموت المخوف وما في معناه على ما زاد على الثلث لحق الورثة. اهــ.

وأما إن كانت صحيحة في غير مرض مخوف، فالأصل أن لها أن تتصرف في أملاكها، ولا تمنع من ذلك, فإن قصدت بذلك حرمان الورثة، أو بعضهم فقد نص الشافعية على أن ذلك القصد لا يمنعها من التصرف، كما بينا في الفتوى رقم: 227620 .

والله أعلم. 

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة