هل المرأة المصلية ذات الخلق التي تستمع للأغاني من ذوات الدين؟

0 997

السؤال

إذا كانت امرأة تصلي الصلوات الخمس، وصاحبة خلق، ولكنها تستمع للأغاني، فهل هي من ذوات الدين التي أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالظفر بها؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد أخرج الإمام أحمد بإسناد صحيح، والبزاز، وأبو يعلى، وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد الخدري - ‏رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تنكح المرأة على إحدى خصال: لجمالها، ومالها، ‏وخلقها، ودينها، فعليك بذات الدين والخلق تربت يمينك. وفي الصحيحين، وغيرهما عن أبي هريرة - رضي الله ‏عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر ‏بذات الدين تربت يداك.

فمن هي صاحبة الدين؟ إنها المرأة الصالحة، المتدينة، العفيفة، المتقية لربها. هذا ما دل عليه كلام الفقهاء، والشراح. 

 فقد قال شمس ‏الدين السفاريني في غذاء الألباب شرح منظومة الآداب:‏ عليك بذات الدين تظفر بالمنى ال ... ودود الولود الأصل ذات التعبد

‏(عليك) أي: الزم أيها الأخ المريد النكاح (ب) نكاح (ذات) أي: صاحبة (الدين) أي: الدينة من بيت دين، وأمانة، ‏وعفة، وصيانة، إذ الديانة تقتضي ذلك كله، فإن فعلت (تظفر) أي: تفوز (بالمنى) أي: المطلوب، وتستريح من الهم ‏والعناء. اهـ.‏

ويشهد للتقوى ما ذكره الملا القاري في المرقاة على المشكاة حيث قال في شرح حديث أبي هريرة: وأراد بالدين الإسلام والتقوى، وهذا يدل على ‏مراعاة الكفاءة، وأن الدين أولى ما اعتبر ‏فيها. اهـ.

 ويدل على معنى الصلاح ما ذكره الشيخ السعدي في بهجة قلوب الأبرار حيث قال: فاظفر ‏بذات الدين تربت يمينك؛ لما فيها من صلاح الأحوال، والبيت، والأولاد، وسكون قلب الزوج وطمأنينته، فإن حصل ‏مع الدين غيره فذاك، وإلا فالدين أعظم الصفات المقصودة؛ قال تعالى: {فالصالحات قانتات، حافظات للغيب بما حفظ ‏الله}. اهـ.

ويشهد لهذا المعنى حديث مسلم عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: الدنيا متاع، وخير ‏متاع الدنيا المرأة الصالحة.‏ لكن القول بأن امرأة معينة تستمع إلى الأغاني، يحتاج إلى تفصيل؛ لأنه يحتمل أنها مصرة على مداومة الاستماع إليها، مع العلم بحرمتها، ويحتمل أنها تستمع إليها من حين لآخر، ثم تتوب من ذلك، كما يحتمل أنها تستمع إليها دون أن يكون لها علم بأنها حرام، فإن كان المقصود هنا الاحتمال الأول، فإن أداء الصلوات المكتوبات لا يكفي لتحقيق الاتصاف بالتقوى، ما لم ‏ينضم إليه فعل باقي الواجبات، وترك المحرمات.

 والاستماع إلى الأغاني ينافي التدين والتقوى؛ لأننا إن اعتبرناه صغيرة، صار ‏بالإصرار كبيرة، كما جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار. ‏وينظر كلام أهل العلم في الإصرار في الفتوى رقم: 98610.

وإن كان كبيرة، فالأمر فيه أشد، وقد نص ‏طوائف من أهل العلم على أن الاستماع إلى الغناء من الكبائر في الجملة، كبرهان الدين المرغيناني، وشيخ الإسلام علي بن أحمد بن محمد بن إسحاق ‏الإسبيجابي السمرقندي الحنفي.

قال شيخي زاده في مجمع الأنهر على ملتقى الأبحر ممزوجين: ( أو يغني للناس)؛ لأنه يجمع الناس على الكبيرة، كما في الهداية، وظاهره أن الغناء ‏كبيرة، وإن لم يكن للناس، بل ‏لإسماع نفسه للوحشة، وهو قول شيخ الإسلام. اهـ.

وهكذا شيخ الإسلام الهيتمي في الزواجر فقال: الكبيرة السادسة، ‏والسابعة، والثامنة، والتاسعة، والأربعون، والخمسون، والحادية والخمسون بعد الأربعمائة: ضرب وتر، واستماعه، وزمر ‏بمزمار، واستماعه، وضرب بكوبة، واستماعه. اهـ.

 وقد ذكرنا نقلة الإجماع على حرمته، وبينا منافاته للتدين في الفتوى رقم: ‏113432.‏

وحد الفاسق عند أهل العلم أنه من ارتكب كبيرة، ولم يتب منها، أو أصر وداوم على فعل صغيرة.

فقد جاء في الموسوعة الفقهية: الفاسق هو المسلم الذي ارتكب كبيرة قصدا، أو صغيرة مع الإصرار عليها بلا تأويل. انتهى.

فإذا تقرر ما ذكر، علم أن من تصر على الاستماع إلى الغناء فاسقة، ومن ثم فلا ينبغي وصفها بأنها من ذوات الدين.

وإن كان الاحتمال الثاني فإن الزلل لا ‏يسلم منه أحد، والوقوع في الذنب لا ينافي التقوى، وإنما الإصرار هو المنافي للتقوى، كما قال تعالى في سورة آل عمران في صفات ‏المتقين: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون {آل عمران:135}.

قال ابن رجب في كلمة الإخلاص ما معناه: ليس من شرط المحب العصمة، ولكنه ‏كلما زل تلافى تلك الوصمة.‏ اهـ.

وعليه، فإذا تابت من الاستماع إلى الغناء، وأدت الواجبات، وتركت المحرمات، فنرجو لها بذلك أن تكون من ذوات الدين.

وأما إن كان القصد الاحتمال الثالث، فهذه يجب أن تعرف بحرمة الغناء، وتنهى عنه، فإن تابت وتركته، فالأمر واضح، وإن استمرت مصرة على الاستماع، ولم يفد فيها النصح والنهي، فإنها تصير بحكم الاحتمال الأول.

خلاصة الفتوى : ‏
حسن الخلق، وأداء الصلوات المكتوبات، خصال حميدة، لكنها لا تكفي لاتصاف المرأة بأنها ذات دين، إذا كانت تستمع إلى الأغاني - نسأل الله أن يجعلنا جميعا من المتقين التائبين -.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة