أحكام من طلقها زوجها بعد العقد وقبل البناء وقد تمتع بها، وتواصلها معه بنية الإصلاح

0 241

السؤال

زوجي طلقني بعد العقد وقبل البناء، لكنه كان قد تمتع بي فيما دون البناء، ولما سأله المأذون هل اختليت بها؟ نفى، حتى لا أكتب ثيبا ولا أعتد، فهل الخلوة المقصودة تمام البناء؟ أم الخلوة في ذاتها توجب العدة؟ وقد طلقني رغما عني لظروف مادية حالت دون إتمام الزواج وما زلت أحبه حبا لا يعلم قدره إلا الله، كان زوجا خيرا، ومحبا، وكريما، إلا أن الظروف المادية والسياسية في مصر دمرت نفسيته وحولته إلى شخص آخر، وأصبح يفعل ما لم يكن يتوقع فعله! بالرغم من أنه من أصر على الطلاق إلا أنه بكى بكاء مريرا أمام المأذون لدرجة أنه لم يستطع قول صيغة الطلاق من شدة البكاء لمدة نصف ساعة، وغالب الظن أنه لم يكرهني أو يطلقني لشخصي، أحاول أن أتواصل معه من فترة لأخرى لعله يردني، فأنا في كرب شديد وحياتي دمرت، لا أحد يعلم أنه تمتع بي وأعلم أن ذلك كان حلالا لكن ضميري يؤلمني ويقتلني وكلما تذكرت ما حدث بيننا أبكي من شدة الألم، ألم الذنب أنني أتذكر غير ذي حل وألم اشتياقي له، فهل تواصلي معه بنية محاولة الإصلاح حرام، لأنه أجنبي الآن؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالظاهر أن السائلة تقصد بالبناء الجماع في قولها: زوجي طلقني بعد العقد وقبل البناء، لكنه كان قد تمتع بي فيما دون البناء ـ ولكننا لم ندر ما إذا كان الذي ذكرته من الاستمتاع حصل في خلوة أم لا؟ وعلى أية حال، فقد اشتمل استفتاء السائلة على مسألتين مهمتين: ‏
الأولى: موجب العدة أهو الخلوة أم الدخول: ‏والصحيح أن الخلوة في ذاتها توجب العدة ـ ما دام النكاح مستوفيا لشروط صحته المقررة في الفتوى رقم ‏‏:1766ـ  وهو مذهب جمهور الفقهاء خلافا للشافعية، بل حكاه الطحاوي في المشكل والموفق في المغني إجماعا ‏عن السلف، كما نقلناه في الفتوى رقم: 43479. ‏

والمقصود بالخلوة بالمعقود عليها أن يخلو الزوج بالزوجة خلوة يمكن فيها الوطء عادة، وهو اختيار كثير من أهل العلم كما بيناه في الفتوى رقم: 22144، ورجحناه في الفتوى رقم‏‏: ‏52749‏.

وينظر ‏خلاف الفقهاء في ضابط الخلوة الصحيحة في الفتويين رقم: ‏131406‏، ورقم: ‏‏179425. ‏

وأما الاستمتاع بما دون الوطء بغير خلوة: فلا أثر له، قال البهوتي في دقائقه على منتهى الفتوحي ممزوجين: ولا عدة في فرقة زوج حي قبل وطء أو قبل خلوة، ولا عدة لقبلة أو لمس، لقوله تعالى: إذا نكحتم المؤمنات ‏ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها {الأحزاب: 49} ولأن الأصل في العدة وجوبها ‏لبراءة الرحم وهي متيقنة هنا.

ومما ذكر يتبين للسائلة الكريمة ما إذا كانت العدة قد وجبت عليها أم لا، وهي أدرى بالحال التي وقع فيها الاستمتاع بينها وبين زوجها، وعلى تقدير وجوب العدة فينبغي أن يعلم أنه يحرم الكذب على المأذون في ذلك، وأن ما يكتبه المأذون ‏لا ينتفي به وجوب الاعتداد.‏

المسألة الثانية: في تواصل السائلة بمطلقها لإعادتها، والجواب في هذه المسألة ينبني على احتمالين هما: أن تكون بائنة من زوجها، أو أن تكون رجعية، والبينونة في مسألتنا هذه تكون في صورتين:‏
‏1ـ بمجرد الطلاق إذا لم تحصل الخلوة الصحيحة، لأن الطلاق قبل الخلوة بائن إجماعا.‏
‏2ـ بانقضاء عدة الطلاق بعد الخلوة الصحيحة، لأن كل المطلقات بائنات بعد انقضاء العدة، وفي هذه الحالة إذا رغبت في الرجوع إليه فهي وسائر النساء الأجنبيات سواء لانقطاع العلاقة بينكما تماما وهو ‏ما قرره الموفق في المغني، حيث قال: أجمع أهل العلم على أن غير المدخول بها تبين بطلقة واحدة ولا يستحق ‏مطلقها رجعتها، وذلك لأن الرجعة إنما تكون في العدة ولا عدة قبل الدخول، لقول الله سبحانه: يا أيها الذين آمنوا ‏إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا ‏جميلا {الأحزاب: 49} فبين الله سبحانه أنه لا عدة عليها فتبين بمجرد طلاقها وتصير كالمدخول بها بعد انقضاء ‏عدتها لا رجعة عليها ولا نفقة لها، وإن رغب مطلقها فيها فهو خاطب من الخطاب يتزوجها برضاها بنكاح جديد وترجع إليه بطلقتين، وإن طلقها ‏اثنتين ثم تزوجها رجعت إليه بطلقة واحدة بغير خلاف بين أهل العلم، وإن طلقها ثلاثا بلفظ واحد حرمت عليه حتى ‏تنكح زوجا غيره في قول أكثر أهل العلم.

وينظر للمزيد في تقرير ذلك الفتويان رقم: 243688، ورقم: 242032. ‏

وتحكم المحادثة بينكما في هذه الحالة الضوابط الشرعية العامة للمحادثة بين الشاب والفتاة الأجنبية عنه، فإن ‏الأصل في المحادثة بين الجنسين المنع إلا بشروط قررها أهل العلم منها: الحاجة وأمن الفتنة والحشمة وعدم الخلوة ‏وعدم المصافحة وعدم النظر المحرم وعدم الشهوة بسماع الصوت وعدم الخضوع بالقول والتزام الفتاة بالحجاب ‏الشرعي، وينظر في تقرير هذه الضوابط الفتوى رقم: 30792.

ولاشك في أن الرغبة في إعادة الزواج حاجة معتبرة وبالتالي، فلا بأس ‏في أن تطالبي مطلقك بالنظر في الرجوع عن قراره وخطبتك والعقد عليك من جديد، بالضوابط المذكورة للمحادثة وبقدر الحاجة.‏

والاحتمال الثاني أن تكون المرأة ما زالت في عصمة الزوج، وذلك إذا كانت قد حصلت الخلوة الصحيحة ولم تنقض ‏العدة بعد، لأن طلاق المعقود عليها بعد الخلوة الصحيحة طلاق رجعي على الراجح من أقوال أهل العلم، وهو مذهب ‏الحنابلة، قال الموفق في المغني مبينا الخلاف والترجيح: فصل: والخلوة كالإصابة، في إثبات الرجعة للزوج على ‏المرأة التي خلا بها، في ظاهر قول الخرقي، لقوله: حكمها حكم الدخول في جميع أمورها، وهذا قول الشافعي، في ‏القديم، وقال أبو بكر: لا رجعة له عليها إلا أن يصيبها، وبه قال النعمان، وصاحباه والشافعي في الجديد، لأنها غير ‏مصابة، فلا تستحق رجعتها، كغير التي خلا بها، ولنا قوله تعالى: والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ‏‏{البقرة: 228} إلى قوله: وبعولتهن أحق بردهن في ذلك {البقرة: 228} ولأنها معتدة من طلاق لا عوض فيه، ‏ولم تستوف عدده، فثبت عليها الرجعة كالمصابة، ولأنها معتدة يلحقها طلاقه، فملك رجعتها، كالتي أصابها، وفارق ‏التي لم يخل بها، فإنها بائن منه لا عدة لها، ولا يلحقها طلاقه، وإنما تكون الرجعة للمعتدة التي يلحقها طلاقه.

وإذا كان الطلاق رجعيا فللمرأة أحكام المعتدة الرجعية من الحقوق كالنفقة والسكنى، ومن الواجبات كقضاء ‏العدة في بيت الزوجية، قال تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا {الطلاق:1}.

ولها أن تتزين لزوجها لعله يراجعها، جاء ‏في الموسوعة الفقهية: المطلقة طلاقا رجعيا لها أن تتزين لزوجها بما تفعله النساء لأزواجهن من أوجه الزينة من ‏اللبس وغيره، قال الحنابلة: تتزين وتسرف في ذلك، وقال الحنفية: لها أن تتزين وتتشوف له، والتشوف وضع ‏الزينة في الوجه، والتزين أعم من التشوف، لأنه يشمل الوجه وغيره، وقد أجيز للمرأة فعل ذلك لترغيب الزوج في المراجعة، فالتزين وسيلة للرجعة فلعله يراها في زينتها فتروق ‏في عينه ويندم على طلاقها فيراجعها، واستدلوا لجواز التزين بأن المطلقة رجعيا في حكم الزوجات والنكاح قائم من وجه وهو كونها في العدة، ‏وذهب الشافعية إلى عدم جواز تزين المرأة المطلقة الرجعية لزوجها، لأنها أجنبية عنه والرجعة إعادة للنكاح عندهم.

وأخيرا نوصي السائلة الكريمة بالصبر والرضا بما قدره الله وكتبه قال الله: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب {الزمر:10}.

ولعل الله قدر فراقكما لخير أراده بكما لا تعلمانه، ‏وعسى أن تكرهي شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا، فلتحسني الظن بالله فإنه بكل جميل كفيل، ولتحذري كل الحذر من أن تعلقي سعادتك ‏وقلبك بغير الله جل في علاه، ‏فبيده خزائن كل شيء، وأما العباد فقلوبهم بين أصبعيه ومصائرهم بيديه.‏

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة