حكم التوبة من الذنوب التي لا يعلمها العبد، ومعنى حديث: "وأستغفرك لما تعلم"

0 316

السؤال

هل هناك توبة من الذنوب التي نفعلها ولكننا لا نعلم؟ وهل نستغفر من الذنوب التي نفعلها ولكننا لا نعلم؟ وما المقصود بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (وأستغفرك لما لا أعلم)؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فما أكثر الذنوب التي يفعلها الإنسان، وهو لا يدري كونها ذنوبا، ولا ينجي من هذه المخطرة العظيمة إلا التوبة العامة التي تأتي على جميع الذنوب، ما أحاط به العبد وما لم يحط به، وهذه التوبة تنفعه - بإذن الله - فيمحى بها عنه ما اقترفه من الإثم، قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: والناس في غالب أحوالهم لا يتوبون توبة عامة مع حاجتهم إلى ذلك، فإن التوبة واجبة على كل عبد في كل حال؛ لأنه دائما يظهر له ما فرط فيه من ترك مأمور، أو ما اعتدى فيه من فعل محظور، فعليه أن يتوب دائما. انتهى.

وقال المحقق ابن القيم - رحمه الله -: المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور، ولا يجوز تأخيرها، فمتى أخرها عصى بالتأخير، فإذا تاب من الذنب بقي عليه توبة أخرى، وهي توبته من تأخير التوبة، وقل أن تخطر هذه ببال التائب، بل عنده أنه إذا تاب من الذنب لم يبق عليه شيء آخر، وقد بقي عليه التوبة من تأخير التوبة، ولا ينجي من هذا إلا توبة عامة، مما يعلم من ذنوبه، ومما لا يعلم، فإن ما لا يعلمه العبد من ذنوبه أكثر مما يعلمه، ولا ينفعه في عدم المؤاخذة بها جهله إذا كان متمكنا من العلم، فإنه عاص بترك العلم والعمل، فالمعصية في حقه أشد، وفي صحيح ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل، فقال أبو بكر: فكيف الخلاص منه يا رسول الله؟ قال: أن تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم، فهذا طلب الاستغفار مما يعلمه الله أنه ذنب، ولا يعلمه العبد، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو في صلاته: اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت إلهي لا إله إلا أنت،، وفي الحديث الآخر: اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، خطأه وعمده، سره وعلانيته، أوله وآخره، فهذا التعميم، وهذا الشمول لتأتي التوبة على ما علمه العبد من ذنوبه وما لم يعلمه. انتهى.

وإذا علم هذا، فإن أمره صلى الله عليه وسلم أن يقول العبد: وأستغفرك لما لا أعلم واضح المعنى، فإنه يستغفر مما لا يشعر بكونه ذنبا، أو من ذنب كان ارتكبه ونسيه، فيستغفر استغفارا عاما يأتي على جميع ذنوبه.

قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله - في شرح قوله صلوات الله عليه: وأستغفرك لما تعلم ما عبارته: ختم الدعاء بالاستغفار، فإنه خاتمة الأعمال الصالحة، وقوله: "وأستغفرك لما تعلم" يعم جميع ما يجب الاستغفار منه من ذنوب العبد، وقد لا يكون العبد عالما بذلك كله، فإن من الذنوب ما لا يشعر العبد بأنه ذنب بالكلية، كما في الحديث المرفوع: "الشرك أخفى من هذه الأمة من دبيب النمل على الصفا، قالوا: فكيف نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك ونحن نعلم، ونستغفرك لما لا نعلم" وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت.

ومن الذنوب ما ينساه العبد ولا يذكره وقت الاستغفار، فيحتاج العبد إلى استغفار عام من جميع ذنوبه - ما علم منها، وما لم يعلم - والكل قد علمه الله وأحصاه، فلهذا قال: "وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب" قال الله تعالى: {يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه}. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات