حكم الصلاة والسلام على رسول الله والقلب لاه منشغل

0 169

السؤال

معلوم أن الله لا يقبل دعاء من قلبه لاه، وما دامت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم هي دعاء، فهل لا يقبل الله من صلى على رسول الله وقلبه وعقله لاه منشغل بأمر آخر؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فأما قوله صلى الله عليه وسلم: ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه. فهو حديث صحيح كما قال الألباني في السلسلة الصحيحة.

ومعناه كما قال ملا قاري في مرقاة المفاتيح: لا يستجيب دعاء": أي غالبا، أو استجابة كاملة" من قلب غافل" أي: معرض عن الله، أو عما سأله "لاه": من اللهو، أي: لاعب مما سأله أو مشتغل بغير الله تعالى. اهـ

وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم - وإن كانت من جملة الدعاء والذكر - فإنها لا ترد، فهي من جملة الأذكار والقرب التي تنصرف عند أدائها إلى ما وضعت له أصلا، ولا شك أن حضور القلب فيها، وتدبر معناها أفضل ذخرا وأعظم أجرا، ولكن ذلك لا ينفي أن لها أجرا، وأن فيها خيرا لمن صدرت منه دون حضور قلب، وتدبر معنى؛ فمجرد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها خير كثير، وأجر عظيم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا. رواه مسلم، وقد وردت في فضلها أحاديث كثيرة ولم يرد فيها التقييد، أو اشتراط حضور القلب.

قال الشوكاني في تحفة الذاكرين: لا ريب أن تدبر الذاكر لمعاني ما يذكر به أكمل؛ لأنه بذلك يكون في حكم المخاطب والمناجي، لكن وإن كان أجر هذا أتم وأوفى لا ينافي ثبوت ما ورد الوعد به من ثواب الأذكار لمن جاء بها، فإنه أعم من أن يأتي بها متدبرا لمعانيها، متعقلا لما يراد منها أو لا، ولم يرد تقييد ما وعد به من ثوابها بالتدبر والتفهم.

والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم –وإن كانت دعاء- فإنها تتميز عنه بأنها مقبولة لا ترد، جاء في رد المحتار لابن عابدين الحنفي قال: قال الشيخ أبو إسحاق الشاطبي في شرح الألفية: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم مجابة على القطع..." ثم قال بعد نقاش هذا القول وذكر أقوال أهل العلم حوله قال: "والذي يظهر من ذلك أن المراد بقبولها قطعا أنها لا ترد أصلا، مع أن كلمة الشهادة قد ترد؛ فلذا استشكله السنوسي، وغيره، والذي ينبغي حمل كلام السلف عليه أنه لما كانت الصلاة دعاء، والدعاء منه المقبول ومنه المردود، وأن الله تعالى قد يجيب السائل بعين ما دعاه، وقد يجيبه بغيره لمقتضى حكمته خرجت الصلاة من عموم الدعاء؛ لأن الله تعالى قال {إن الله وملائكته يصلون على النبي} [الأحزاب: 56] بلفظ المضارع المفيد للاستمرار التجددي مع الافتتاح بالجملة الاسمية المفيدة للتوكيد، وابتدائها بإن لزيادة التوكيد، وهذا دليل على أنه -سبحانه- لا يزال مصليا على رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم امتن سبحانه على عباده المؤمنين حيث أمرهم بالصلاة أيضا ليحصل لهم بذلك زيادة فضل وشرف، وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم مستغن بصلاة ربه سبحانه وتعالى عليه، فيكون دعاء المؤمن بطلب الصلاة من ربه تعالى مقبولا قطعا، أي: مجابا لإخباره سبحانه وتعالى بأنه يصلي عليه، بخلاف سائر أنواع الدعاء وغيره من العبادات... اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة