طرق الوصول للقلب السليم

0 188

السؤال

لا أريد سوى قلب سليم من الشوائب، ومن كل آفة، وهذا الشيء أتعس علي حياتي لشهور، ومهما أدعو لا أجد شيئا ملحوظا، فأهدأ فترة ثم تهاجمني بشدة بعد مدة؟ وما الذي يكسبني هذا القلب؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالقلب السليم هو الذي ينجو صاحبه يوم القيامة، كما قال تعالى: يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم. {الشعراء: 88-89} . وقد عرفه ابن القيم في إغاثة اللهفان فقال رحمه الله: وقد اختلفت عبارات الناس في معنى القلب السليم، والأمر الجامع لذلك : أنه الذي قد سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة تعارض خبره. فسلم من عبودية ما سواه، وسلم من تحكيم غير رسوله، فسلم في محبة الله مع تحكيمه لرسوله في خوفه ورجائه والتوكل عليه والإنابة إليه، والذل له وإيثار مرضاته في كل حال، والتباعد من سخطه بكل طريق. وهذا هو حقيقة العبودية التي لا تصلح إلا لله وحده.

فالقلب السليم : هو الذي سلم من أن يكون لغير الله فيه شرك بوجه ما، بل قد خلصت عبوديته لله تعالى : إرادة ومحبة وتوكلا وإنابة وإخباتا وخشية ورجاء، وخلص عمله لله فإن أحب أحب في الله، وإن أبغض أبغض في الله، وإن أعطى أعطى لله، وإن منع منع لله، ولا يكفيه هذا حتى يسلم من الانقياد والتحكيم لكل من عدا رسوله، فيعقد قلبه معه عقدا محكما على الائتمام والاقتداء به وحده دون كل أحد في الأقوال والأعمال من أقوال القلب وهي العقائد، وأقوال اللسان وهي الخبر عما في القلب، وأعمال القلب وهي الإرادة والمحبة والكراهة وتوابعها. وأعمال الجوارح فيكون الحاكم عليه في ذلك كله دقه وجله هو ما جاء به الرسول صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، فلا يتقدم بين يديه بعقيدة ولا قول ولا عمل كما قال تعالى : يأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله [ الحجرات : 1 ]. انتهى.
وأما طرق الحصول على القلب السليم فكثيرة، ذكرنا بعضها في الفتوى رقم: 19176. ونزيد خمسة طرق أخرى فنقول:
أولا: إخلاص العمل لله وحده، وقد سبقت الدلالة على هذا المعنى من كلام ابن القيم السابق.
ثانيا: رضا المسلم عن ربه بما قدره له وقضاه. قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: وتستحيل سلامة القلب مع السخط وعدم الرضا. وكلما كان العبد أشد رضا كان قلبه أسلم. انتهى.
ثالثا: تلاوة القرآن: إن تلاوة القرآن الكريم هي أعظم دواء لأمراض القلوب. قال تعالى: يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين {يونس:57}، . وقال سبحانه: وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين {الإسراء:82}.

قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: القرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه، لم يقاومه الداء أبدا. وكيف تقاوم كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال، لصدعها، أو على الأرض لقطعها، فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه، والحمية منه لمن رزقه الله فهما في كتابه. انتهى.

رابعا: الدعاء: بأن يسأل العبد ربه أن يرزقه قلبا سليما، وفي الدعاء المأثور: وأسألك قلبا سليما ولسانا صادقا. رواه الطبراني وغيره، وصححه الألباني. ومن صفات عباد الرحمن الدعاء بسلامة القلب، قال تعالى: والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم {الحشر:10}.
خامسا: ذكر الله تعالى، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات