من عجز عن الانتقام هل يعد من الكاظمين الغيظ؟

0 212

السؤال

إذا كان الشخص لا يستطيع المطالبة بحقه؛ لأنه ضعيف، فهل يعد هذا من كظم الغيظ؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالثناء على الكاظمين الغيظ إنما يكون إذا وقع الكظم على سبيل التقوى لله عز وجل، فقد جاء الثناء على ذلك في معرض وصف المتقين، كما قال سبحانه: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين [آل عمران: 133 - 135]وحصول ذلك على سبيل التقوى إنما يكون إذا اقترن بالحسبة، وهو الترك لله مع القدرة على إظهاره؛ ولذلك قال الطبري: قوله: {والكاظمين الغيظ} يعني: والجارعين الغيظ عند امتلاء نفوسهم منه، يقال منه: كظم فلان غيظه، إذا تجرعه، فحفظ نفسه من أن تمضي ما هي قادرة على إمضائه، باستمكانها ممن غاظها، وانتصارها ممن ظلمها. اهـ.

وقال القرطبي: كظم الغيظ: رده في الجوف، والسكوت عليه، وعدم إظهاره، مع قدرة الكاظم على الإيقاع بعدوه. اهـ.

وقال البيضاوي: {والكاظمين الغيظ} الممسكين عليه، الكافين عن إمضائه مع القدرة. اهـ.

وكذا قال الجلال المحلي، والقاسمي وزاد: اتقاء التعدي فيه إلى ما وراء حقه. اهـ.

ومن كظم غيظه لعجزه عن التشفي، لم ينفعه ذلك، بل قد يضره.

  قال الغزالي في الإحياء: اعلم أن الغضب إذا لزم كظمه لعجز عن التشفي في الحال، رجع إلى الباطن، واحتقن فيه فصار حقدا، ومعنى الحقد أن يلزم قلبه استثقاله، والبغضة له، والنفار عنه وأن يدوم ذلك ويبقى. اهـ.

وذكر مثله ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر.

ولذلك جاءت السنة مبينة للقيد الذي ينتفع معه الكاظم، وهو: القدرة على الإنفاذ، والحسبة ابتغاء وجه الله:

فمن الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم: من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره الله من الحور العين ما شاء. رواه  أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وأحمد، وحسنه الألباني.

وقوله صلى الله عليه وسلم: من كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة. رواه الطبراني، وحسنه الألباني.

 قال الخادمي في بريقة محمودية: مع القدرة على التنفيذ، شبه جرع غيظه، ورده إلى باطنه بتجرع الماء، وهي أحب جرعة يتجرعها العبد، وأعظمها ثوابا، وأرفعها درجة؛ لحبس نفسه عن التشفي، ولا يحصل هذا العظم إلا عند القدرة على الانتقام، وبكف غضبه لله تعالى. اهـ.

ومن الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما من جرعة أعظم أجرا عند الله، من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله.

قال المنذري: رواه ابن ماجه، ورواته محتج بهم في الصحيح. اهـ. وصححه الألباني.

قال القاري في المرقاة: ابتغاء وجه الله تعالى" أي: طلبا لمرضاته، لا لغرض آخر، ولا لعجز عن إمضائها. اهـ.

وقال الصنعاني في التنوير: قوله: "ابتغاء وجه الله تعالى" مفعول له، علة للكظم، لا لو كظمها لغير ذلك، فليس له هذا الأجر. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة