واجب من كسب مالاً ‏حرامًا برضا الدافع عالما بالتحريم أو جاهلا، ثم تاب

0 158

السؤال

سؤالي لحضراتكم يحتاج إلى ‏توضيح ‏أولي، فأرجو من حضراتكم ‏تقبل ‏الإطالة. ‏
‏ كنت أعمل في شركة مقاولات، ‏منذ ‏عشر سنوات، كان العمل قائما ‏على ‏أخذ مناقصات من ‏الحكومة، ‏وتنفيذها. ولكن صرف ‏مستحقات ‏الشركة، كان يتوقف على ‏شرط من ‏الحكومة، وهو أن تقوم ‏الشركة ‏بالاستعانة بشباب من ‏المقيمين في ‏المنطقة، التي سينفذ فيها ‏المشروع، ‏وذلك بهدف الحد من ‏البطالة في ‏المنطقة، ولكن طبيعة ‏العمل لا ‏تتناسب مع الكثير من هؤلاء ‏الشباب. ‏فكنت أتفق معهم -حتى ‏لا‎ ‎تتأخر ‏الشركة في صرف ‏مستحقاتها-على أن يأتي الفرد ‏بصورة هويته، ‏ويسجل دون أن ‏يعمل، ويتقاضى ‏نصف الراتب الذي ‏كانت تحدده ‏الحكومة، وفي بعض ‏الأحيان لا يأتي ‏الشباب للتوقيع ‏اليومي لإثبات ‏حضوره، فيأتي يوم، ‏وعشرة لا ‏يأتي، فكنت أقوم بالتوقيع ‏عنه؛ بهدف ‏عدم تأخير إجراءات ‏صرف ‏مستحقات الشركة، عن تنفيذ ‏العمل ‏الأساسي، وقد عطاني ‏صاحب ‏الشركة مكافأة مالية عن هذا ‏العمل، ‏ولكن أشعر بالذنب حيال ‏هذا ‏التصرف. ‏
‏ وأرجو من حضراتكم إفادتي ‏بكفارة ‏هذا الذنب، مع أني تبت، ‏وندمت أشد ‏الندم على هذا التصرف، ‏وقررت أن ‏أقوم بإعطاء بيت زكاة ‏هذه البلدة، ‏قيمة المكافأة التي أخذتها، ‏مع فارق ‏قيمتها منذ عشر سنوات ‏حتى الآن. ‏
‏ أرجوكم أفيدوني. ‏

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 من المهم -قبل الإجابة- أن ننبه إلى ‏أن الشروط التي تضعها الدولة، يجب ‏الالتزام بها؛ لما رواه أبو هريرة عن ‏النبي صلى الله عليه وسلم قال: ‏المسلمون على شروطهم. رواه ‏البخاري تعليقا.
وعليه، فقد كان على تلك الشركة ‏المذكورة، الالتزام بتوظيف أبناء ‏المنطقة، كما اتفقت مع الدولة، وإن ‏كانت قصرت في ذلك، مع وجود من ‏يصلح للعمل معها منهم، فإنها ‏مخالفة، ولا تجوز مساعدتها فيما ‏تقوم به من تحايل؛ وإن لم تكن ‏قصرت، لكنها لم تجد من يصلح ‏للعمل، فلا مانع من التحايل للحصول ‏على حقها.‏
وبناء على ما تقدم، فإن الحكم ‏بالنسبة لما حصل منك يترتب ‏على مدى جواز ما قامت به الشركة ‏من تحايل لتستمر في العمل: فإن ‏كان ذلك مشروعا لها -بحكم أنها ‏مظلومة، وتحاول الحصول على حقها ‏بتلك الطريقة- فلا حرج فيما كنت ‏تقوم به أنت من التوقيع نيابة عن ‏أولئك الأشخاص، والمكافأة التي ‏حصلت عليها -جراء ذلك- حلال ‏عليك، وإن كان العكس، فلا تجوز ‏مساعدتها في ذلك؛ لأنه من باب ‏التعاون على الإثم، والله تعالى يقول: ‏ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ‏‏{المائدة:2}.‏
وفي هذه الحال، فإذا كنت لا تعلم ‏بالتحريم، فإن لك أن تنتفع بما أخذته ‏من الشركة، وإن كنت عالما ‏بالتحريم، فإنك تكون ملزما -مع ‏التوبة- برد ما أخذت من مكافأة، ‏لكنك لا ترده للشركة؛ لأنها قد ‏استوفت مقابله منك، بل تتصدق به ‏على الفقراء والمحتاجين، أو تدفعه ‏لإحدى المنظمات الخيرية لتبذله في ‏مصالح المسلمين.

 جاء في ‏المستدرك على فتاوى ابن تيمية، ‏جمع ابن قاسم: ومن كسب مالا ‏حراما برضاء الدافع، ثم تاب: كثمن ‏خمر، ومهر البغي، وحلوان الكاهن. ‏فالذي يتلخص من كلام أبي العباس: ‏أن القابض إذا لم يعلم التحريم، ثم ‏علم، جاز له أكله. وإن علم التحريم ‏أولا، ثم تاب، فإنه يتصدق به. كما ‏نص عليه أحمد في حامل الخمر: ‏وللفقير أكله. اهـ.
وانظر الفتويين: 110625 -‏‏161925
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة