مقاصد وروائع الاختلاف في الخلق، والمذموم والمحمود في التعددية المذهبية والدينية

0 232

السؤال

لقد خلقنا الله تعالى مختلفين وقد ذكر الاختلاف ومجده وجعله آية من آياته في مواضع عديدة من القرآن الكريم، فهل التعددية مقصد من مقاصد الشريعة؟ وهل التعددية المذهبية محرمة أو مكروهة أو مباحة أو مندوبة أو واجبة؟ وهل التعددية الدينية في أرض الإسلام أو جزء منها محرمة أو مكروهة أو مباحة أو مندوبة أو واجبة؟ وهل رفض التعددية تعصب؟ وما حكم من يحارب التعددية المذهبية لتفريق المسلمين وتشتيتهم؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما ذكره الله سبحانه من اختلاف البشر في بعض الآيات، واختلاف كثير من مخلوقاته في آيات أخر دليل على كمال قدرته جل وعلا، وبديع حكمته، قال الله تعالى: ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين {الروم:22}.

قال الشوكاني ـ رحمه الله ـ عند تفسير هذه الآية: واختلاف ألوانكم من البياض والسواد والحمرة والصفرة والزرقة والخضرة، مع كونكم أولاد رجل واحد وأم واحدة، ويجمعكم نوع واحد وهو الإنسانية، حتى صرتم متميزين في ذات بينكم، لا يلتبس هذا بهذا، بل كل فرد متميز عن غيره، وفي هذا من بديع القدرة ما لا يعلمه إلا العالمون. انتهى.

وقال الله تعالى مبينا بعض آيات قدرته في اختلاف ألوان الناس والجبال والحيوانات والنباتات: ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور {فاطر:27ـ 28}.

وهذا الاختلاف في الخلق ـ والذي عبرت عنه بالتعددية ـ من مقاصده الشرعية الدلالة على أن الله هو المؤثر وحده، وأن الطبائع لا تأثير لها إلا بمشيئته تعالى، فهو الخالق المستحق للعبادة دون من سواه، قال الشنقيطي ـ رحمه الله ـ في أضواء البيان: وقوله: واختلاف ألسنتكم وألوانكم ـ قد أوضح تعالى في غير هذا الموضع أن اختلاف ألوان الآدميين واختلاف ألوان الجبال، والثمار، والدواب، والأنعام، كل ذلك من آياته الدالة على كمال قدرته، واستحقاقه للعبادة وحده، قال تعالى: ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك، واختلاف الألوان المذكورة من غرائب صنعه تعالى وعجائبه، ومن البراهين القاطعة على أنه هو المؤثر جل وعلا، وأن إسناد التأثير للطبيعة من أعظم الكفر والضلال. انتهى.
وأما حكم التعددية المذهبية والدينية، فنقول: إن التعدد والاختلاف في مسائل الدين والعلم عموما ينقسم إلى قسمين:
الأول: ما كان اختلافا في العقائد، وأصول الأحكام الثابتة، وما ثبت بإجماع صحيح عن خير القرون، فهذا تفرق مذموم بلا شك، وتعددية لا تجوز، ذلك أن دلائل تلك المسائل واضحة في الكتاب والسنة، مجمع عليها عند سلف الأمة، فالمخالف فيها متبع للهوى مفارق لسبيل المؤمنين، مقدم عقله على نصوص الوحي، وهذا قد ذمه الله ورسوله والمؤمنون.
الثاني: ما كان خلافا في الفروع الفقهية والمسائل التي لم تجمع الأمة فيها على رأي واحد، وذلك كالاختلاف الواقع في المذاهب الأربعة، وكثير من المسائل الحادثة التي اختلف فيها أهل العلم، فهذا النوع من الاختلاف غير مذموم إذا وقع من أهله العارفين بأصوله.
فالتعددية المذهبية بمعنى التمذهب بأحد المذاهب الأربعة المعروفة جائزة بشرط عدم التعصب، فإذا وضح لمتبع المذهب الدليل على خلاف المذهب تعين عليه المصير إلى الدليل، وقد بين العلامة الشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ هذا المعنى فقال ما عبارته: التمذهب بمذهب من المذاهب الأربعة سائغ، بل هو بالإجماع، أو كالإجماع ولا محذور فيه كالانتساب إلى أحد الأربعة، فإنهم أئمة بالإجماع، والناس في هذا طرفان ووسط: قوم لا يرون التمذهب بمذهب مطلقا وهذا غلط، وقوم جمدوا على المذاهب ولا التفتوا إلى بحث، وقوم رأوا أن التمذهب سائغ لا محذور فيه، فما رجح الدليل مع أي أحد من الأربعة أو غيرهم أخذوا به. انتهى.

وفي شرح تنقيح الفصول للقرافي المالكي: الثاني: قال الزناتي: يجوز تقليد المذاهب في النوازل، والانتقال من مذهب إلى مذهب بثلاثة شروط: أن لا يجمع بينهما على وجه يخالف الإجماع، كمن تزوج بغير صداق، ولا ولي، ولا شهود، فإن هذه الصورة لم يقل بها أحد، وأن يعتقد فيمن يقلده الفضل بوصول أخباره إليه، ولا يقلده رميا في عماية، وأن لا يتتبع رخص المذاهب. انتهى.
وعلم مما سبق أن التعددية إن كانت بمعنى الاختلاف في مسائل الإجماع والأصول الاعتقاد فإنها ترفض وتحارب وتنبذ لأنها مخالفة للكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح، ولكن ينبغي أن يكون ذلك الرفض والنبذ بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، وأما إن كانت التعددية بمعنى التمذهب في الفروع من غير تعصب، فلا ترفض ولا تحارب، فإن أئمة الإسلام عبر العصور لم يزالوا ينتسبون لهذه المذاهب، ولم يكن لهم قصد إلا تجريد المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، وعنهم تلقى الناس طرق الاستدلال وكيفيته، فالدعوة إلى نبذ المذاهب جناية على العلم وتطريق لأصحاب الأقوال الشاذة والمذاهب الباطلة، وتقابل هذه الدعوة ـ لنبذ المذاهب ـ دعوة للجمود عليها وعدم جواز الخروج عنها، والحق وسط بين هذين الطرفين.

وخلاصة القول في التمذهب أنه إذا قصد به السير على تراتيب علمية معينة تختص بمذهب معين فجائز، وإن قصد به التعصب فغير جائز، وللفائدة يرجى مراجعة الفتاوى التالية أرقامها: 26350، 169151، 157487، 152163

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى