علة تأخر النصر عن المسلمين

0 262

السؤال

أخي العزيز كنت في نقاش مع شخص مسلم ولكن عاش في بلاد الغرب فتفكيره خاطئ، سألني سؤالا ولم أعرف كيف أجيبه؟ قال لي أين الله مع الذي يحصل لأهل سوريا؟
صراحة أنا من أهل سوريا، وسمعت هذا السؤال من عدة أشخاص لماذا لم ينصرنا الله؟ فيكون جوابي إن الله لم يأذن بالنصر، فلا يكون كافيا لهم.
أريد منكم جوابا لهذا السؤال، وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فبداية ينبغي أن نؤكد على معنى نستصحبه دائما ونبني عليه أصل رؤيتنا لأي مشكلة، وهو أن العبد يجب أن يتهم نفسه، وينزه ربه سبحانه، ويعلم أن كل ما هو من نفسه يوجب اعتذارا واستغفارا، وأما ما كان من الله فهو يوجب شكرا وانكسارا، قال تعالى: ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك {النساء:79}، فالعبد لا يؤتى أبدا من قبل الله تعالى، وإنما يؤتى من قبل نفسه، ولذلك ينبغي أن يفتش فيها إذا رأى ما يكرهه، فإن الله تعالى قد قال: ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم {الأنفال:53}، وقال: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال {الرعد:11}، قال ابن القيم في (طريق الهجرتين): إن الله سبحانه قضى فيما قضى به أن ما عنده لا ينال إلا بطاعته، وأنه ما استجلبت نعم الله بغير طاعته، ولا استديمت بغير شكره، ولا عوقت وامتنعت بغير معصيته، وكذلك إذا أنعم عليك ثم سلبك النعمة فإنه لم يسلبها لبخل منه ولا استئثار بها عليك، وإنما أنت المسبب في سلبها عنك، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.. فما أزيلت نعم الله بغير معصيته.. فآفتك من نفسك، وبلاؤك من نفسك، وأنت في الحقيقة الذي بالغت في عداوتك، وبلغت من معاداة نفسك ما لا يبلغ العدو منك.. اهـ.
ويكفينا في ذلك أن نذكر قول الله تعالى في حق أفاضل الخلق بعد ما حصل من بعضهم في غزوة أحد: أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير {آل عمران:165}.
هذا أولا. وأما ثانيا: فإن حكمة الله تعالى في قضائه وقدره لا يستطيع العبد أن يحيط بها علما، ولا يقدر على إدراك أسرارها، وأنى له ذلك وهو لا يعلم بتفاصيل الواقع فضلا عن الماضي والمستقبل، وإذا رأى الأمور من زاوية أغفل زوايا غيرها، وغاب عنه أكثرها، وإذا اعتبر مفسدة أو راعى مصلحة من جهة، أهدرها من أخرى، ويكفينا في ذلك أن نذكر قول الله تعالى تعقيبا على حديث الإفك: لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم {النور:11}،  !!

وثالثا: لا بد من مراعاة سنن الله تعالى في تدبيره لأمر الخلق، فإن السنن الكونية لا تعرف المحاباة، ولا تجري على هوى الناس، ولا تسير وفق أذواقهم، ومن ذلك ما أجراه الله تعالى من أسباب النصر والهزيمة، والعزة والذلة، والتمكين والاستضعاف ... فهذا وأمثاله لا بد من مراعاة سنن الله فيه، جاء في كتاب (الصبر في القرآن): النفس مولعة بحب العاجل؛ والإنسان عجول بطبعه حتى جعل القرآن العجل كأنه المادة التي خلق الإنسان منها: خلق الإنسان من عجل [الأنبياء: 37] فإذا أبطأ على الإنسان ما يريده نفد صبره، وضاق صدره، ناسيا أن لله في خلقه سننا لا تتبدل، وأن لكل شيء أجلا مسمى، وأن الله لا يعجل بعجلة أحد من الناس، ولكل ثمرة أوان تنضج فيه، فيحسن عندئذ قطافها، والاستعجال لا ينضجها قبل وقتها، فهو لا يملك ذلك، وهي لا تملكه، ولا الشجرة التي تحملها، إنها خاضعة للقوانين الكونية التي تحكمها، وتجري عليها بحساب ومقدار. اهـ. وراجع الفتوى رقم: 272026.

ولا بد من النظر في ما يجري حولنا من أحداث في ضوء الحكمة من الخلق وجريانها في قضاء الله تعالى وقدره، وراجع في ذلك الفتاوى ذوات الأرقام التالية:  162017، 119316.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة