التحلل من ظلم الصغير، والفرق بين العفو والمغفرة

0 308

السؤال

ما حكم من ظلم شخصا يبلغ من العمر ست سنوات، فطلب منه المغفرة، والسماح، فقال له: قل لي: قد غفرت لك ما فعلته بي، فقال له ذلك دون أن يفهم ما سبب ظلمه؟ وهل يعد هذا الشخص قد تحلل من ظلمه لهذا الصغير؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فإن من شروط التوبة من الذنوب التي فيها ظلم للعباد -في مال، أو عرض، أو جسد-: التحلل منهم؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه، أو شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار، ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. أخرجه البخاري.

وما دام صاحب الحق هنا صبيا لا يفهم شيئا، فإن التحلل منه بالكيفية المذكورة لا يفيد من ظلمه؛ لأن إبراءه لا يصح، وهنا ينظر: فإن كان الحق المترتب على الظالم جناية، أو مالا، فإن المسؤول عن الإبراء من عدمه ولي الصبي القائم على شؤونه -كالأب-.

 وإن كان من الحقوق الأخرى -كالغيبة، وما شابه- فهل يكفي مجرد الاستغفار له في الحال، أو لا بد من انتظار بلوغه للاستحلال منه؟ فيه وجهان، والأقرب: الثاني؛ جاء في حاشية الشرواني على تحفة المحتاج: قوله: والاستغفار له) أي: للمغتاب كأن يقول: أستغفر الله لفلان، أو: اللهم اغفر له. ومعلوم أن هذا الكلام في غيبة البالغ، وأما غيبة الصبي فهل يقال فيها بمثل ذلك التفصيل، وهو أنها إذا بلغته فلا بد من بلوغه، وذكرها له، وذكر من ذكرت عنده أيضا بعد البلوغ؛ لأن براءته قبل البلوغ غير صحيحة، أو يكفي مجرد الاستغفار له حالا مطلقا؛ لتعذر الاستحلال منه الآن؟ فيه نظر، والأقرب: الأول. اهـ.

هذا؛ وننبه إلى أن طلب المغفرة ينبغي أن يوجه للمولى -سبحانه وتعالى- فقط؛ لاشتماله على معان لا تليق بغيره.

أما العباد: فيطلب منهم العفو، والمسامحة، وما شابه ذلك؛ جاء في الفروق اللغوية للعسكري: الغفران يقتضي إسقاط العقاب، وإسقاط العقاب هو إيجاب الثواب، فلا يستحق الغفران إلا المؤمن المستحق للثواب؛ ولهذا لا يستعمل إلا في الله، فيقال: غفر الله لك، ولا يقال: غفر زيد لك، إلا شاذا قليلا، والشاهد على شذوذه: أنه لا يتصرف في صفات العبد كما يتصرف في صفات الله تعالى، ألا ترى أنه يقال: استغفرت الله تعالى، ولا يقال: استغفرت زيدا. والعفو يقتضي إسقاط اللوم، والذم، ولا يقتضي إيجاب الثواب؛ ولهذا يستعمل في العبد، فيقال: عفا زيد عن عمرو. وإذا عفا عنه لم يجب عليه إثابته. اهـ.

وفي الكليات للكفوي: والغفران: يقتضي إسقاط العقاب، ونيل الثواب، ولا يستحقه إلا المؤمن، ولا يستعمل إلا في الباري تعالى. والعفو يقتضي إسقاط اللوم والذم، ولا يقتضي نيل الثواب، ويستعمل في العبد أيضا، كالتكفير حيث يقال: كفر عن يمينه. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات