حكم قول: إنا للقدس وإنا إليها راجعون. والصلاة بصيغة: اللهم صل على بدر التمام ومصباح....

0 2767

السؤال

جزاكم الله خيرا على هذا الموقع الرائع، لدي بعض الأسئلة:
أولا: ما صحة هذه الرسالة التي وصلتني: (السلام عليكم، عاملين حملة استغفار "أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، وأتوب إليه؛ عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته". أي شخص يستلم الرسالة، يستغفر ثلاث مرات، ويرسلها لغيره، أتمنى أن لا تقف الرسالة عندك؛ لعل الله يدفع عنا البلاء. هنيئا للمستغفرين)؟
ثانيا: ما حكم قول: "إنا للقدس وإنا إليها راجعون"؟
ثالثا: ما صحة الصلاة على الرسول -صلى الله عليه وسلم- بهذه الصيغة: "اللهم صل على بدر التمام، ومصباح الظلام، ومفتاح دار السلام، وشمس دين الإسلام؛ محمد -صلى الله عليه وسلم-"؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلم نعثر فيما تيسر لنا البحث فيه من المراجع على حديث بهذا اللفظ، وقد وردت جمل منه في أحاديث صحيحة، منها: "أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه"؛ ففي سنن أبي داود عن بلال بن يسار قال: حدثني أبي عن جدي أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: من قال: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان فارا من الزحف. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.
ومنها: "عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته"؛ فقد وردت هذه الكلمات في حديث رواه مسلم من حديث جويرية -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال: ما زلت على الحال التي فارقتك عليها. قالت: نعم. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده؛ عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته.

وأما قول المرسل: "أي شخص يستلم الرسالة يستغفر ثلاث مرات، ويرسلها لغيره": فهذا قد بينا حكمه من قبل في الفتوى رقم: 32825.
وأما قول المسلم: "إنا للقدس وإنا إليها راجعون": فلا حرج فيه؛ وهو اقتباس من قول الله تعالى: وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون {البقرة: 156،155}. ومعناه في القرآن الكريم -كما قال أهل التفسير-: نحن لله ونحن إليه راجعون؛ أي: أننا بهذا القول ننسب ملكيتنا إلى الله تعالى، ونقبل ما حدث لنا.

والاقتباس من القرآن الكريم أو الحديث الشريف جائز إذا كان لمقاصد لا تخرج عن المقاصد الشرعية؛ تحسينا للكلام، وترسيخا لمعانيه في النفوس؛ قال السيوطي في الإتقان: "فصل في الاقتباس وما جرى مجراه ... لم يتعرض له المتقدمون، ولا أكثر المتأخرين، مع شيوع الاقتباس في أعصارهم، واستعمال الشعراء له قديما وحديثا. وقد تعرض له جماعة من المتأخرين؛ فسئل عنه الشيخ/ عز الدين ابن عبد السلام، فأجازه، واستدل له بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من قوله في الصلاة وغيرها: "وجهت وجهي.. "إلى آخره، وقوله: "اللهم فالق الإصباح وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا اقض عني الدين وأغنني من الفقر، وفي سياق كلام لأبي بكر: {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}.

ومعناه في قول القائل هنا: "إنا للقدس": نحن للقدس؛ سوف نحررها، أو ما أشبه ذلك، ونحن إليها راجعون بعد ما خرجنا منها، وهذا المعنى مثل قول من يتصدى لأمر صعب أو يدعى له فيقول: أنا له. وهو كثير في كلام العرب؛ ففي يوم خيبر خرج مرحب اليهودي وهو يقول: من مبارز؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من لهذا؟" فقال محمد بن مسلمة -رضي الله عنه-: أنا له يا رسول الله، وأنا والله الموتور الثائر.. انظر مسند الإمام أحمد، ودلائل النبوة للبيهقي
وأما الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصيغة المذكورة: فلم نقف عليها فيما تيسر لنا البحث فيه من المراجع، ولكن لا حرج فيها؛ لأن الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرها واسع ما دامت لم تحمل مخالفة شرعية؛ فقد كان الإمام الشافعي -رضي الله عنه- يقول -كما في الرسالة له-: "اللهم صل على محمد كلما ذكرك الذاكرون، وغفل عن ذكرك الغافلون". وجاء في بستان الواعظين لابن الجوزي:

صلوا على القمر المنير إذا بدا     في موكب من حسنه وجماله 

صلوا على بدر التمام محبة     وكرامة وجلالة لجلاله. 

فنوره -صلى الله عليه وسلم- أتم  من نور بدر التمام ومصباح الظلام؛ فقد وصفه الله -عز وجل- في محكم كتابه بالسراج المنير الذي يبدد ظلمات الشرك، والجهل، والحيرة، والضلال. وروى الإمام أحمد، والترمذي، وغيرهما، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كأن الشمس تجري في وجهه".

وهو صلى الله عليه وسلم أول من تفتح له الجنة دار السلام؛ ففي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، وأول قارع باب الجنة". وعند أصحاب السنن: فأقرع، فيقول خازن الجنة: من القارع؟ فأقول: محمد رسول الله. فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك. وصححه الألباني

مع أن الأفضل أن نصلي عليه بالصيغ التي علمنا هو صلى الله عليه وسلم، وانظر الفتوى رقم: 11120، وما أحيل عليه فيها. 
 والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات