لماذا أمرنا الله بالعبادة مع غناه عن عبادتنا إياه

0 701

السؤال

قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون".
السؤال: إن الله -جل وعلا- غني عن العالمين، وعن عبادتنا أجمعين، ولا يضره عصياننا، فلماذا خلقنا إذن؟
أرجو الرد على هذه الشبهة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فإن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه؛ كما قال تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون {الذاريات:56}.
وهو سبحانه وتعالى غني عنهم، وعن عبادتهم، ولكنه تعبدهم بذلك، وجعلهم مهيئين للطاعة لله حتى يسعدوا بالحياة الطيبة في الدنيا، والجزاء العظيم في الآخرة، وليس هناك أي مصلحة لله تعالى في عبادتهم، ولا ضرر عليه في معصيتهم وكفرهم، بل إن الخلق هم المستفيدون من الطاعة، والمتضررون من المعصية، كما قال تعالى: ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير {فاطر:18}، وقال تعالى: ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم {النمل:40}، وقال تعالى: فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل {يونس:108}، وقال تعالى: ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين {العنكبوت:6}، وقال تعالى: إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها {الإسراء:7}، وقال تعالى: {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد {فصلت:46}، وقال تعالى: وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد {إبراهيم:8}، وقال تعالى: إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور {الزمر:7}، وقال تعالى: ومن كفر فإن الله غني عن العالمين {آل عمران:97}، وقال تعالى: ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم * إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم * ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين. {آل عمران: 178:176}، وقال تعالى: ولله ما في السماوات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنيا حميدا {النساء:131}.

وقال سبحانه في الحديث القدسي الذي رواه مسلم عن أبي ذر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما روى عن الله -تبارك وتعالى- أنه قال : .... يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد، فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها؛ فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.

فالعبادة حاجة العباد، وسبب فوزهم وفلاحهم في الدارين، وهي حق لخالقهم ورازقهم المنعم عليهم، كما قال الحافظ ابن كثير في تفسيره لآية الذاريات: أي: إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم؛ فواجب العبد وغايته في هذه الحياة هو التحلي الكامل بصفة العبودية، التي هي شرف للعبد، وتاج يفتخر به أمام العالمين. وحق الله تعالى على عباده هو عبادته، والتسليم له، والانقياد لأمره، وهو حق استحقه بمقتضى ربوبيته، وألوهيته، وكماله، ولو لم تأت الرسل من عنده آمرة بعبادته لاستحق أن يعبد ويعظم لذاته، لا لشيء زائد. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة