سبب المصائب الذنوب لا الطاعات

0 173

السؤال

أنا عمري 13 سنة، كلما أقرر أن أكون ملتزما دينيا تحصل لي مشاكل وابتلاءات، فهل من اللازم لكل من كان ملتزما أن يعيش حياة بها مشاكل؟ وكيف تكون ملتزما وتبتعد عن المشاكل؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالالتزام بدين الله تعالى والاستقامة على طاعته لا تكون أبدا سببا للمصائب، وإنما سببها ضد ذلك من الذنوب والمعاصي، كما قال تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير [الشورى: 30]. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة (الحسنة والسيئة): والمقصود أن ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليس سببا لشيء من المصائب، ولا تكون طاعة الله ورسوله قط سببا لمصيبة، بل طاعة الله والرسول لا تقتضي إلا جزاء أصحابها بخيري الدنيا والآخرة، ولكن قد تصيب المؤمنين بالله ورسوله مصائب بسبب ذنوبهم، لا بما أطاعوا فيه الله والرسول، كما لحقهم يوم أحد بسبب ذنوبهم، لا بسبب طاعتهم الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-. وكذلك ما ابتلوا به في السراء والضراء والزلزال، ليس هو بسبب نفس إيمانهم وطاعتهم، لكن امتحنوا به، ليتخلصوا مما فيهم من الشر وفتنوا به، كما يفتن الذهب بالنار؛ ليتميز طيبه من خبيثه، والنفوس فيها شر، والامتحان يمحص المؤمن من ذلك الشر الذي في نفسه، قال تعالى: {وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين * وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين} [آل عمران: 140، 141] ، وقال تعالى: {وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم} [آل عمران: 154]، ولهذا قال صالح -عليه السلام- لقومه: {طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون} [النمل: 47]. ولهذا كانت المصائب تكفر سيئات المؤمنين، وبالصبر عليها ترتفع درجاتهم، وما أصابهم في الجهاد من مصائب بأيدي العدو: فإنه يعظم أجرهم بالصبر عليها. وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من غازية يغزون في سبيل الله، فيسلمون ويغنمون إلا تعجلوا ثلثي أجرهم، وإن أصيبوا وأخفقوا تم لهم أجرهم". وأما ما يلحقهم من الجوع والعطش والتعب: فذاك يكتب لهم به عمل صالح، كما قال تعالى: {ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين} [التوبة: 120]، وشواهد هذا كثيرة. اهـ.

ولا بد من تقرير أن الدنيا دار ابتلاء وفتنة، وأن الله تعالى خلقنا فيها للامتحان والاختبار؛ ليتمايز الناس ويظهر الطيب من الخبيث، والصادق من الكاذب، والمؤمن من المنافق، كما قال تعالى: وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا [هود: 7]، وقال سبحانه: الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا [الملك: 2]، وقال عز وجل: {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب} [آل عمران: 179].

ولا يمكن أبدا أن تصفو الدنيا تماما من الأكدار والمحن، فالإنسان خلق في شدة وعناء ونصب، كما قال تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في كبد} [البلد: 4] قال الطبري: أولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: معنى ذلك أنه خلق يكابد الأمور ويعالجها، فقوله: (في كبد) معناه: في شدة. اهـ.

وهذه المكابدة وإن اجتمع فيها المؤمن وغيره، إلا أن أعظم الفرق بينهما يبقى في ثواب الآخرة والفوز برضوان الله تعالى، كما أشار إليه قوله عز وجل: إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون [النساء : 104].
وإذا تقرر ذلك وتعامل المسلم مع واقع حياته على أنه امتحان من الله لينظر كيف يعمل، وهل يؤثر دنياه على أخراه؟ وهل يفضل الراحة العاجلة على النعيم التام في دار الخلود؟ فإنه سيهون عليه الصبر، ويبصر بقلبه حقيقة الوجود الإنساني وحقارة الدنيا وفناءها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى: فإن الصبر على طاعة الله تعالى، وتحمل المشاق في سبيل مرضاته، لا تؤول الأمور معه إلا إلى خير، فالعاقبة للتقوى، والله تعالى لا يضيع أجر المحسنين، وجزاؤه سبحانه لعبده المؤمن لا يقتصر على الآخرة، بل يكون في الدنيا أيضا، كما قال تعالى: فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى {طه 123} وقال سبحانه: من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون {النحل:97}. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة" رواه مسلم.
ولكن هذه الوعود الكريمة للمؤمنين إنما تتحقق بالطريقة التي تتفق مع الحكمة من الخلق، والتي سبق الإشارة إليها، وهي الابتلاء والامتحان، وراجع في تفصيل ذلك الفتوى رقم: 117638. ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتويين: 204217، 31444

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات