المستبان.. الحكم.. صور الانتصار المباح.. والكفارة

0 136

السؤال

ما حكم غيبة من تعدى عليك بغير حق؟ فأحيانا تصيب الشخص نوبة غضب ويريد التشفي بالسب والشتم, وأيضا تحصل بين المتضاربين فأثناء تهدئة الناس لهم تجدهم يشتمون بعضهم بعضا، فما حكم ذلك؟ وما كفارته؟
وأيضا ما حكم التمويه في المزاح؛ كأن توهم السامع أنك لا تعرف مع أنك تعرف ولكن بطريقة غير مباشرة, هل يعتبر كذبا؟ فمثلا: أحد يسألك ما نوع هاتفك؟ فتجبه: ما هو الهاتف؟ وغيرها من أساليب التمويه الغير مباشرة.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد تضمن الشطر الأول من سؤالك مسألتين.
الأولى: غيبة من تعدى عليك بغير حق، وقد بينا حكمها في الفتوى رقم: 79100، والفتوى رقم: 160389، فراجعهما.
والثانية: حكم المستبين وكفارة ذلك، والأصل أن الإثم على من بدأ بالسب والاعتداء، ما لم يحصل من المعتدى عليه سب أو اعتداء في مقابلة فعل المعتدي؛ فقد جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: المستبان ما قالا، فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم. أخرجه مسلم.
قال الإمام النووي -رحمه الله-: معناه: أن إثم السباب الواقع من اثنين مختص بالبادئ منهما كله، إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار فيقول للبادئ أكثر مما قال له، وفي هذا جواز الانتصار، ولا خلاف في جوازه، وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة. قال الله تعالى: ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل {الشورى:41}، وقال تعالى: والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون {الشورى:39}، ومع هذا فالصبر والعفو أفضل. قال الله تعالى: ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور {الشورى:43}، وللحديث المذكور بعد هذا: ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا. واعلم أن سباب المسلم بغير حق حرام؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق. ولا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ما سبه، ما لم يكن كذبا أو قذفا، أو سبا لأسلافه، فمن صور المباح أن ينتصر بيا ظالم، يا أحمق، أو جافي أو نحو ذلك؛ لأنه لا يكاد أحد ينفك من هذه الأوصاف. قالوا: وإذا انتصر المسبوب استوفى ظلامته، وبرئ الأول من حقه، وبقي عليه إثم الابتداء أو الإثم المستحق لله تعالى، وقيل: يرتفع عنه جميع الإثم بالانتصار منه، ويكون معنى على البادئ أي عليه اللوم والذم لا الإثم. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: فإن كان الشخصان قد اختصما نظر أمرهما؛ فإن تبين ظلم أحدهما، كان المظلوم بالخيار بين الاستيفاء والعفو، والعفو أفضل. فإن كان ظلمه بضرب أو لطم، فله أن يضربه أو يلطمه كما فعل به، عند جماهير السلف وكثير من الأئمة وبذلك جاءت السنة. وقد قيل: إنه يؤدب ولا قصاص في ذلك. وإن كان قد سبه فله أن يسبه مثل ما سبه، إذا لم يكن فيه عدوان على حق محض لله أو على غير الظالم. فإذا لعنه أو سماه باسم كلب ونحوه، فله أن يقول له مثل ذلك، فإذا لعن أباه لم يكن له أن يلعن أباه؛ لأنه لم يظلمه. وإن افترى عليه كذبا لم يكن له أن يفتري عليه كذبا؛ لأن الكذب حرام لحق الله. كما قال كثير من العلماء في القصاص في البدن: أنه إذا جرحه أو خنقه أو ضربه ونحو ذلك يفعل به كما فعل. فهذا أصح قولي العلماء إلا أن يكون الفعل محرما لحق الله كفعل الفاحشة، أو تجريعه الخمر، فقد نهى عن مثل هذا أكثرهم، وإن كان بعضهم سوغه بنظير ذلك. انتهى.
وليس على من وقع منه السب المحرم كفارة معينة، وإنما عليه التوبة، ومن شروط توبته أن يطلب المسامحة من المسبوب إذا لم يأخذ حقه منه. وللفائدة راجع الفتوى رقم: 211051، والفتوى رقم: 285481.
وأما الشطر الثاني من سؤالك: فقد أجبناك عنه في الفتوى رقم: 260077.
 والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة