رتبة ودلالة حديث: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب...

0 264

السؤال

هل صح حديث عدي بن حاتم لما جاء وفي عنقه صليب؟ من الناس من يستدل به على أن من العرب من كان يجهل معنى العبادة!

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحديث قد أخرجه الترمذي في سننه قال: حدثنا الحسين بن يزيد الكوفي، قال: حدثنا عبد السلام بن حرب، عن غطيف بن أعين، عن مصعب بن سعد، عن عدي بن حاتم، قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي عنقي صليب من ذهب. فقال: يا عدي اطرح عنك هذا الوثن، وسمعته يقرأ في سورة براءة: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله}. قال: أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه.

وأخرجه الطبري بلفظ: عن مصعب بن سعد، عن عدي بن حاتم، قال: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: يا عدي، اطرح هذا الوثن من عنقك! قال: فطرحته، وانتهيت إليه وهو يقرأ في "سورة براءة"، فقرأ هذه الآية: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله). قال: قلت: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدهم! فقال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ قال: قلت: بلى! قال: فتلك عبادتهم!.
وضعف الترمذي الحديث بقوله: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب، وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث.اهـ. وقد حكم ابن تيمية على الحديث بأنه حديث حسن، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة.

والظاهر: أن موضع الاستدلال على القضية التي ذكرتها (من الناس من يستدل به على أن من العرب من كان يجهل معنى العبادة) هو في لفظ الطبري حين قال عدي بن حاتم: إنا لسنا نعبدهم.

وعلى كل حال؛ فعدم علم العرب ببعض معاني الألفاظ الشرعية ليس بمستنكر، فمعاني الألفاظ الشرعية قد تختلف عن أصل المعنى اللغوي إما بزيادة، أو تقييد، أو نحو ذلك، قال ابن تيمية: فإذا أطلق اسم الصلاة في الشرع لم يفهم منه إلا هذا وهي: القيام والركوع والسجود لله بالأذكار المشروعة فيها، ثم قال جماعة من أصحابنا -منهم: أبو الخطاب، وابن عقيل-: هي منقولة في اللغة إلى الشرع ومعدول بها عن المفهوم الأول إلى مفهوم آخر. وقال القاضي، وغيره: ليست منقولة، بل ضمت إليها الشريعة شروطا وقيودا وهي مبقاة على ما كانت عليه، وكذلك القول في اسم الزكاة والصيام وغيرها من الأسماء الشرعية.

وتحقيق ذلك: أن تصرف الشرع فيها كتصرف أهل العرف في بعض الأسماء اللغوية؛ إما تخصيصها ببعض معانيها كالدابة، وإما تحويلها، فالصلاة كانت اسما لكل دعاء فصارت اسما لدعاء مخصوص أو كانت اسما لدعاء فنقلت إلى الصلاة الشرعية لما بينها وبين الدعاء من المناسبة، والأمر في ذلك متقارب. اهـ. باختصار من شرح العمدة.

وقد يكون المعنى معلوما لكن يغفل عنه الإنسان لأسباب؛ منها: التقليد، والإلف والاعتياد، والظاهر: أن عديا -رضي الله عنه- لم ينتبه إلى أن الطاعة في التحليل والتحريم المخالف للشرع، من اتخاذ الأرباب من دون الله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات