سؤالي عن الزواج من فتاة ظاهرها وأهلها بأنهم أهل إيمان وتقوى، وقمنا بعقد القران، وننتظر موعد الانتقال إلى بيت الزوجية الذي حدد بعد فترة من الزمن، وتبين لي لاحقا أن عليهم ديونا وعاجزين عن سدادها، حيث بدأت هي وأهلها بمضايقتي والتصرف وبطرق منفرة وتفتعل المشاكل على أتفه الأمور وكأنها نهاية العالم، ولم تكن كذلك أبدا قبل عقد القران، ولقد بدأت بالاستغراب بدايتها مع أني والله يشهد علي أني قابلتها وأهلها بكل احترام وود، ونيتي لمرضاة الله -سبحانه وتعالى- وبناء بيت لرضى الرحمن، وأدعو الله بنية بناء بيت من بيوت الجنة على الأرض أساسها طاعة الرحمن، وأدعو بطول العمر لإنشاء عائلة تكون لله ومع الله وفي سبيل الله، ولقد بدأت بي شكوك قوية نتيجة هذه التصرفات التي أرى فيها نيتها الطلاق من أجل أخذ الصداق لسداد ديون أهلها، ولا زلت أتعامل معهم بكل أخلاق الإسلام وأحاول جاهدا التغاضي عن المشاكل، وأحاول عدم التركيز عليها أبدا خلال حديثنا، ولكنها تصر كثيرا على الخوض في المشاكل وعدم تنحيتها رغم عدم أهميتها. فهل صداقها حلال إذا طلقتها؟ وإني أدعو عليها وعلى أهلها أكثر أوقات النهار، وأخاف كثيرا أن أقف موقف الظالم في تعاملي معها وأهلها، فأقدم قول الخير ونية الخير رغم المواقف الصادمة والتصرفات المؤذية، وما حكم هذا النوع من الخداع؟
وشكرا.

 الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فالزواج شعيرة من شعائر الله، وآية من آياته، قال تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون {الروم:21}. وقد قصد الشرع منه إلى أهداف سامية ومصالح نبيلة كالعفاف وتكثير النسل ونحو ذلك؛ قال البهوتي الحنبلي في حاشية الروض المربع عند قول الحجاوي في زاد المستقنع "وفعله مع الشهوة أفضل من نوافل العبادة": لاشتماله على مصالح كثيرة؛ كتحصين فرجه وفرج زوجته، والقيام بها، وتحصيل النسل، وتكثير الأمة، وتحقيق مباهاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وغير ذلك. اهـ. فعلى هذا الأساس ينبغي أن تكون نظرة المسلمين إليه، فلا يعرض عقد الزوجية للوهن بحال، وقد سماه رب العزة والجلال بالميثاق الغليظ، كما قال تعالى: وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا {النساء:21}.

 فالحال المذكور بالسؤال -إن كان واقعا- لا يسر، فمن السوء بمكان أن تحدث مثل هذه المشاكل في بداية مشوار الحياة الزوجية، ولا يجوز لزوجتك طلب الطلاق لغير مسوغ شرعي، وإلا كانت آثمة، وانظر الفتوى رقم: 37112، وإذا طلبت الطلاق لغير عذر فلك الامتناع عن إجابتها حتى تتنازل عن نصيبها من الصداق ونحو ذلك، وراجع للمزيد الفتوى رقم: 243343. وعلى كل تقدير فلو أنك استجبت لطلبها الطلاق فإنها تستحق نصف الصداق إن كان الطلاق قبل الدخول، أو جميعه إن كان بعد الدخول، وراجع حقوق المطلقة في الفتوى رقم: 1955، والفتوى رقم: 20270. فصداقها حلال لها، ويدخل في ملكها، فلها أن تتصرف فيه بما تشاء مما هو مباح شرعا سواء في سداد ديون أهلها أو غير ذلك.

وإذا بدأت الحياة الزوجية بمثل هذه المشاكل فقد يكون الفراق أولى؛ لأنه أقل أثرا مما إذا كان الفراق بعد الدخول بالزوجة، ولا سيما إن رزق الزوجان الولد.

وننبهك إلى أن شكوكك بأن هذه التصرفات سببها أنها تريد الطلاق من أجل أخذ الصداق لسداد ديون أهلها، إن لم تكن مبنية على أساس صحيح؛ ففيها نوع من سوء الظن، والله تعالى يقول: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم {الحجرات:12}.

والله أعلم.