0 204

السؤال

ما تفسير قوله تعالى: "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله" -جزاكم الله خيرا-؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فقد جاءت هذه الآية في سورة البقرة بعد قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون * وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون {البقرة: 278ـ 280}.

قال ابن كثير -رحمه الله-: ثم قال تعالى يعظ عباده، ويذكرهم زوال الدنيا، وفناء ما فيها من الأموال، وغيرها، وإتيان الآخرة، والرجوع إليه تعالى، ومحاسبته تعالى خلقه على ما عملوا، ومجازاته إياهم بما كسبوا من خير وشر، ويحذرهم عقوبته فقال: واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ـ وقد روي أن هذه الآية آخر آية نزلت من القرآن العظيم. اهـ.

وقال القرطبي -رحمه الله-: قال ابن جني: كأن الله تعالى رفق بالمؤمنين على أن يواجههم بذكر الرجعة؛ إذ هي مما ينفطر لها القلوب، فقال لهم: واتقوا يوما ـ ثم رجع في ذكر الرجعة إلى الغيبة رفقا بهم.

وجمهور العلماء على أن هذا اليوم المحذر منه هو يوم القيامة، والحساب، والتوفية، وقال قوم: هو يوم الموت، قال ابن عطية:  والأول أصح بحكم الألفاظ في الآية. اهـ.

ولابن سعدي كلام جميل في تفسيرها، يقول -رحمه الله-: وهذه الآية من آخر ما نزل من القرآن، وجعلت خاتمة لهذه الأحكام، والأوامر والنواهي؛ لأن فيها الوعد على الخير، والوعيد على فعل الشر، وأن من علم أنه راجع إلى الله فمجازيه على الصغير والكبير، والجلي والخفي، وأن الله لا يظلمه مثقال ذرة، أوجب له الرغبة والرهبة، وبدون حلول العلم بذلك في القلب لا سبيل إلى ذلك. اهـ.

وقد استخلص الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ فوائد عديدة من هذه الآية، نذكرها إتماما للفائدة، قال -رحمه الله تعالى-: من فوائد الآية: وجوب اتقاء هذا اليوم الذي هو يوم القيامة؛ لقوله تعالى: واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ـ واتقاؤه يكون بفعل أوامر الله، واجتناب نواهيه، ومنها: أن التقوى قد تضاف لغير الله، لكن إذا لم تكن على وجه العبادة، فيقال: اتق فلانا، أو: اتق كذا، وهذا في القرآن، والسنة كثير، قال الله سبحانه وتعالى: واتقوا الله لعلكم تفلحون * واتقوا النار التي أعدت للكافرين {آل عمران:130ـ 131} لكن فرق بين التقويين، التقوى الأولى تقوى عبادة، وتذلل، وخضوع، والثانية تقوى وقاية فقط: يأخذ ما يتقي به عذاب هذا اليوم، أو عذاب النار، وفي السنة قال النبي صلى الله عليه وسلم: اتق دعوة المظلوم ـ فأضاف التقوى هنا إلى دعوة المظلوم، واشتهر بين الناس: اتق شر من أحسنت إليه، لكن هذه التقوى المضافة إلى المخلوق ليست تقوى العبادة الخاصة بالله عز وجل، بل هي بمعنى الحذر، ومن فوائد الآية: إثبات البعث؛ لقوله تعالى: ترجعون فيه إلى الله ـ ومنها: أن مرجع الخلائق كلها إلى الله حكما، وتقديرا، وجزاء، فالمرجع كله إلى الله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: وأن إلى ربك المنتهى {النجم: 42} وقال تعالى: إن إلى ربك الرجعى {العلق: 8} أي في كل شيء، ومنها: إثبات قدرة الله عز وجل، وذلك بالبعث، فإن الله سبحانه وتعالى يبعث الخلائق بعد أن كانوا رميما وترابا.... ومن فوائد الآية: أن الصغير يكتب له الثواب، وذلك لعموم قوله تعالى: ثم توفى كل نفس. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات