إدخال الحزن والقنوط من حيل الشيطان لإفساد القلب

0 139

السؤال

تعرضت لحادث دهس طفلة عن طريق الخطأ أدى إلى وفاتها، علي تأدية الدية والكفارة كما تقرر لي، ولكني بعد الحادث أعاني كثيرا من التفكير بالموضوع ولوم النفس وتأنيب الضمير، وعند البدء بالتفكير أحس بالتعب الشديد وعدم المقدرة على أداء أي عمل رغم أنه عند حدوث الحادث لم أشاهد هذه الطفلة ولم أتعمد أذيتها، سؤالي: كيف أخرج من دائرة التفكير ولوم الذات، وبالأخص أفكر هل هذا عقاب أم ابتلاء من الله؟ بالرغم من أني مؤدية لجميع فروضي وواجباتي.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فنسأل الله أن يوفقك للخير، وأن يصلح شأنك، ونوصيك بطي صفحة تلك الحادثة، ونسيانها، وأما الإيغال في تأنيب نفسك، فذلك مفض إلى القنوط واليأس والحزن، ونحوها من أمراض القلوب التي جاء الشرع بالنهي عنها، وسد الأبواب الموصلة إليها، ولا يخفى أن للشيطان أربا وأي أرب في إدخال الحزن والقنوط على العبد المسلم، كما قال سبحانه: إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون {المجادلة:10}.

ومن أعظم ما يعينك على التخلص من أسر الفكر في تلك الحادثة: هو النظر إلى سعة رحمة الله، وأن الله يتوب على العبد المتعمد لعصيانه، فكيف بمن أخطأ؟ والله تعالى يقول: وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما {الأحزاب:5}، وكذلك استحضار ضرر اليأس والقنوط، وأنها مقعدة للعبد عن السير إلى الله، وعن عمل الخير، وكذلك الاستعانة بالله ودعاؤه بأن يصرف عن قلبك الحزن والقنوط ومسبباتها.

وأما هل كانت تلك الحادثة التي وقعت لك عقوبة من الله بذنوب منك، أم ابتلاء لرفعة الدرجات، فهذا علمه عند الله جل وعلا وحده، فهو العليم بحال عباده، وراجعي حول حكم المصائب الفتوى رقم: 57255.

وننبهك أيتها الأخت إلى أن قولك (أني مؤدية لجميع فروضي وواجباتي)، قد يوحي بشيء من تزكية النفس، والرضا عنها، وليس هذا من شان المؤمن، كما قال تعالى: فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى {النجم:32}، فالعبد مهما علت منزلته لا ينفك عن ذنب وتقصير في طاعة الله من أعمال القلوب أو الجوارح، قال ابن تيمية: فالتوبة المشروعة هي الرجوع إلى الله وإلى فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، وليست التوبة من فعل السيئات فقط كما يظن كثير من الجهال لا يتصورون التوبة إلا عما يفعله العبد من القبائح كالفواحش والمظالم، بل التوبة من ترك الحسنات المأمور بها أهم من التوبة من فعل السيئات المنهي عنها، فأكثر الخلق يتركون كثيرا مما أمرهم الله به من أقوال القلوب وأعمالها، وأقوال البدن وأعماله، وقد لا يعلمون أن ذلك مما أمروا به، أو يعلمون الحق ولا يتبعونه فيكونون إما ضالين بعدم العلم النافع وإما مغضوبا عليهم بمعاندة الحق بعد معرفته. اهـ.
وقال: ثم لا بد له بعد ذلك من الذنوب فيريد أن يتطهر منها بالتوبة فهو محتاج إلى العلم والعمل به وإلى التوبة، مع ذلك فلا بد له من التقصير أو الغفلة في سلوك تلك السنن التي هداه الله إليها فيتوب منها بما وقع من تفريط في كل سنة من تلك السنن، وهذه السنن تدخل فيها الواجبات والمستحبات، فلا بد للسالك فيها من تقصير وغفلة، فيستغفر الله ويتوب إليه فإن العبد لو اجتهد مهما اجتهد لا يستطيع أن يقوم لله بالحق الذي أوجبه عليه، فما يسعه إلا الاستغفار والتوبة عقيب كل طاعة. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات