تزاحم المصلحة العامة والمصلحة الخاصة

0 332

السؤال

من المعلوم أن المصلحة العامة أفضل من المصلحة الخاصة، ولكن هل ينبغي للعبد أن يقدم المصلحة العامة حتى إذا سبب ذلك له ضررا في دينه، أو اضطر للتنازل عن شيء من السنن، أو الواجبات؟ وهل من يفعل ذلك يخشى عليه أن يكون جسرا يعبر الناس عليه إلى الجنة، ثم يلقى به في النار؟ أم يرجى له التعويض من الله على ما ضحى به لأجل المصلحة العامة؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن الأهمية بمكان أن ينتبه المسلم إلى أن هذه القاعدة ليست على إطلاقها؛ كما بينا في بالفتوى رقم: 230677، ونقلنا فيها كلام العلامة ابن القيم -رحمه الله-.

وقال الشيخ عبد الكريم الخضير في محاضرة: العبادة في زمن الفتن: والمقرر عند أهل العلم أن المتعدي في الجملة أفضل من القاصر، لكن ليس هذا على إطلاقه، ليس معنى هذا أن تعطل العبادات القاصرة؛ ولذلك شرع في بعض الأوقات العبادات القاصرة دون المتعدية، فالاعتكاف إنما هو للعبادات القاصرة، وليس للعبادات المتعدية؛ ولذا تعليم العلم الذي هو من أفضل الأعمال، بل من أفضل ما يتطوع به لا يشرع في وقت الاعتكاف، إنما يشرع الذكر، التلاوة، الصلاة، مع الصيام، يكثر الإنسان من هذه الأمور في وقت الاعتكاف، وهي قاصرة.

أيضا الركن الثاني من أركان الإسلام، وهو مقدم على الثالث، والثاني قاصر، وهو الصلاة، والثالث متعد، وهو الزكاة، فليست هذه القاعدة على إطلاقها، وإن كان أهل العلم يطلقونها، إذا عرفنا هذا من الناس من لا يستطيع النفع المتعدي، ليست لديه القدرة في التأثير على الناس، نقول لمثل هذا: أقلل بمطلوب الإمكان من الاختلاط بالناس، واقتصر على ما أوجب الله عليك من صلة، وبر، وزيارة في الله مما يستحب لك ذلك، وجاءت النصوص بطلبه، وافعل ما أمرت به من حقوق المسلم على المسلم، واتجه إلى العبادات الخاصة، أكثر من الصيام، أكثر من الصلاة النوافل، أكثر من تلاوة القرآن، لا يزال لسانك رطبا بذكر الله، مر بالمعروف وانه عن المنكر حسب استطاعتك، ولا تختلط بالناس، ولا توغل في الخلطة بحيث تتأثر من الناس، هذا الذي لا يستطيع التأثير في الناس.

أما من يستطيع التأثير في الناس بأن يغشى محافلهم، ومجالسهم، ومجتمعاتهم، ونواديهم، يغشى هذه الأماكن للإنكار، وللأمر بالمعروف، ولتنبيه الناس، وتوجيههم، وتعليمهم الخير، لا شك أن مثل هذا أفضل بالنسبة لهم, وهذا خلاصة ما يقال في الخلطة، والعزلة. انتهى بتصرف.

ومن ثم؛ تعرف جواب سؤالك، وهو أن المسلم لا يفرط في العبادات القاصرة بدعوى أن نفعها قاصر، بل هي ضرورية لإصلاح قلبه، وقد يقدم المتعدية عند التزاحم في بعض المواضع، وقد يجوز له ترك بعض السنن أحيانا، وأما ترك الواجبات فلا يجوز.

وقد يخدع الشيطان، والنفس العابد فيصور له العبادة المتعدية في أحسن أحوالها تزهيدا في العبادة القاصرة، وقد تفطن العلماء لذلك؛ قال ابن الجوزي في صيد الخاطر: لما رأيت رأي نفسي في العلم حسنا، فهي تقدمه على كل شيء، وتعتقد الدليل، وتفضل ساعة التشاغل به على ساعات النوافل، وتقول: أقوى دليل لي على فضله على النوافل: أني رأيت كثيرا ممن شغلتهم نوافل الصلاة، والصوم عن نوافل العلم عاد ذلك عليهم بالقدح في الأصول، فرأيتها في هذا الاتجاه على الجادة السليمة، والرأي الصحيح، إلا أني رأيتها واقفة مع صورة التشاغل بالعلم، فصحت بها: فما الذي أفادك العلم؟! أين الخوف؟! أين القلق؟! أين الحذر؟!

أو ما سمعت بأخبار أخيار الأحبار في تعبدهم، واجتهادهم؟!

أما كان الرسول صلى الله عليه وسلم سيد الكل، ثم إنه قام حتى ورمت قدماه؟!

أما كان أبو بكر -رضي الله عنه- شجي النشيج، كثير البكاء؟!

أما كان في خد عمر -رضي الله عنه- خطان من آثار الدموع؟!

أما كان عثمان -رضي الله عنه- يختم القرآن في ركعة؟!

أما كان علي -رضي الله عنه- يبكي بالليل في محرابه حتى تخضل لحيته بالدموع، ويقول: يا دنيا غري غيري؟!

أما تعلمين أخبار الأئمة الأربعة في زهدهم، وتعبدهم (أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد)؟!

احذري من الإخلاد إلى صورة العلم مع ترك العمل به، فإنها حالة الكسالى الزمنى. انتهى بتصرف.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات