غالب مادة الإسلام في القرآن لا تصح ترجمتها على معنى الإسلام الخاص

0 149

السؤال

الإسلام الرسالة الوحيدة التي أرسلت إلى الناس كافة قبل محمد صلى الله عليه وسلم مع اختلاف المناهج، والتشريعات لكل رسول، والإسلام فعل، وليس اسما، ويعني التسليم، والاعتراف، والإقرار بالله الواحد وعبوديته، وقد لاحظت أن ترجمة الإسلام في العديد من الترجمات الصادرة للقرآن غير صحيحة؛ كونها تترجم كلمة الإسلام، ومشتقاتها مثل: أسلم، ويسلم، ومسلمين، وغيرها بنفس اللفظ كاسم، وليس كفعل؛ لاعتقاد العالم أن الرسالة الإسلامية خاصة بنبينا الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا خطأ كبير في مفهوم كلمة الإسلام، فسؤالي هو: ما هي النتائج المحددة من هذا السؤال، ومدى صحة هذه النتائج، والأدلة التي تؤكد صحة أو عدم صحة النتائج؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام، على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالإسلام له معنى عام، ومعنى خاص:

فالعام: هو الاستسلام لله باتباع رسله في كل حين.

والخاص: علم على رسالة النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، وأتباع شريعته.

 وهو بمعناه العام دين جميع الأنبياء، والمرسلين، وأما معناه الخاص فمتعلق بأمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهم كل من كان حيا بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 195365.

واستعمال مادة الإسلام بمشتقاتها تأتي في القرآن غالبا بمعنى الإسلام العام، لا الخاص، كقوله تعالى: إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون * أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون {البقرة:131-132-133}، فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون {آل عمران:52}، وقوله: أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون {آل عمران:83}، وقوله: وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون {المائدة:111}، فترجمة مثل هذه المواضع بالمعنى الخاص الذي هو علم على رسالة النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم ـ خطأ ظاهر، قال الدكتور عمر الأشقر في كتابه (الرسل والرسالات): الإسلام في لغة القرآن ليس اسما لدين خاص، وإنما هو اسم للدين المشترك الذي هتف به كل الأنبياء، فنوح يقول لقومه: (وأمرت أن أكون من المسلمين) [يونس: 72]، والإسلام هو الدين الذي أمر الله به أبا الأنبياء إبراهيم: (إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين) [البقرة: 131] ويوصي كل من إبراهيم، ويعقوب أبناءه قائلا: (فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) [البقرة: 132] وأبناء يعقوب يجيبون أباهم: (نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلها واحدا ونحن له مسلمون) [البقرة: 133] وموسى يقول لقومه: (يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين) [يونس: 84] والحواريون يقولون لعيسى: (آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون) [آل عمران: 52] وحين سمع فريق من أهل الكتاب القرآن (قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين) [القصص: 53] فالإسلام شعار عام كان يدور على ألسنة الأنبياء، وأتباعهم منذ أقدم العصور التاريخية إلى عصر النبوة المحمدية. اهـ.

ولا يتعارض هذا مع وجود مواضع يظهر حملها على المعنى الخاص، بدلالة السياق، وسبب النزول، كقوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا {المائدة:3}، قال الشيخ ابن عثيمين: الإسلام بالمعنى العام هو التعبد لله بما شرع منذ أن أرسل الله الرسل إلى أن تقوم الساعة، كما ذكر الله عز وجل ذلك في آيات كثيرة تدل على أن الشرائع السابقة كلها إسلام لله عز وجل، قال الله تعالى عن إبراهيم: {ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك}، والإسلام بالمعنى الخاص بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يختص بما بعث به محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم نسخ جميع الأديان السابقة، فصار من اتبعه مسلما، ومن خالفه ليس بمسلم، فأتباع الرسل مسلمون في زمن رسلهم، فاليهود مسلمون في زمن موسى صلى الله عليه وسلم، والنصارى مسلمون في زمن عيسى صلى الله عليه وسلم، وأما حين بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم فكفروا به، فليسوا بمسلمين، وهذا الدين الإسلامي هو الدين المقبول عند الله، النافع لصاحبه، قال الله عز وجل: {إن الدين عند الله الإسلام}، وقال: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}، وهذا الإسلام هو الإسلام الذي امتن الله به على محمد صلى الله عليه وسلم، وأمته، قال الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}. اهـ.

وقال الدكتور عبد الله الفوزان في (حصول المأمول بشرح ثلاثة الأصول): الإسلام بالمعنى العام يراد به: عبادة الله وحده لا شريك له، وهذا دين الأنبياء عموما، قال الله -عز وجل ـ عن التوراة، وأنبياء بني إسرائيل: {يحكم بها النبيون الذين أسلموا}... أما الإسلام بالمعنى الخاص فيراد به: الدين الذي بعث الله نبيه محمدا به، وجعله خاتمة الأديان... قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}، فهذه الآية تفيد أن الله تعالى ارتضى لهذه الأمة الإسلام دينا، فيفسر بالمعنى الخاص. اهـ.

والخلاصة أن أغلب مواضع القرآن التي ذكر فيها مادة الإسلام بمشتقاته لا يصح تفسيرها ـ وبالتالي ترجمتها ـ على معنى الإسلام الخاص، ولكن هناك بعض الآيات يصح ـ بل ينبغي ـ أن يفسر على المعنى الخاص، وذلك بحسب معنى الآية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى