الفرق بين ما يُبطل عَمدُهُ الصلاةَ وما لا يُبطلها وحكم تكرار أقوال الصلاة

0 213

السؤال

هل تكرار أقوال الصلاة أكثر من مرة، أو جزء منها تعمدا، أو غير تعمد يوجب سجود السهو؟ وهل الكلام في الصلاة إذا كان لا يبطلها يوجب سجود السهو؟ وما هو معنى ما يبطل تعمده الصلاة، وما لا يبطل تعمده الصلاة؟ كأن أقرأ مثلا سجود السهو لما يبطل عمده الصلاة، أو العكس.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الفرق بين ما يبطل عمده الصلاة وما لا يبطلها عمده، قد بينه أهل العلم، كما ذكره النووي في المجموع بقوله: أما المنهي عنه فصنفان:

أحدهما: ما لا تبطل الصلاة بعمده، كالالتفات، والخطوة، والخطوتين على الأصح، وكذا الضربة، والضربتان، والإقعاء في الجلوس، ووضع اليد على الفم، والخاصرة، والفكر في الصلاة، والنظر إلى ما يلهي، ورفع البصر إلى السماء، وكف الثوب، والشعر، ومسح الحصى، والتثاؤب، والعبث بلحيته، وأنفه، وأشباه ذلك، فهذا كله لا يسجد لعمده، ولا لسهوه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى أعلام الخميصة، وقال: ألهتني أعلامها. وتذكر تبرا كان عنده في الصلاة. وحمل أمامة ووضعها. وخلع نعليه في الصلاة. ولم يسجد لشيء من ذلك.

والثاني: ما تبطل الصلاة بعمده، كالكلام، والركوع، والسجود الزائدين، فهذا يسجد لسهوه إذا لم تبطل به الصلاة.

أما إذا بطلت به الصلاة، فلا سجود، وذلك كالأكل، والفعل، والكلام إذا أكثر منها ساهيا، فإن الصلاة تبطل به على الأصح... وكذلك الحدث تبطل به، وإن كان سهوا، فلا سجود، وإذا سلم في غير موضعه ناسيا، أو قرأ في غير موضعه ناسيا، أو قرأ في غير موضع القراءة غير الفاتحة، أو الفاتحة سهوا، أو عمدا إذا قلنا بالصحيح إن قراءتها في غير موضعها عمدا لا تبطل الصلاة، سجد للسهو، ولنا وجه ضعيف أن القراءة في غير موضعها لا يسجد لها، وبه قطع العبدري، ونقله عن العلماء كافة، إلا أحمد في رواية عنه. اهـ.

وقد بين ـ رحمه الله ـ أثناء كلامه المار أن الكلام الكثير ـ أي من غير جنس الصلاة ـ يبطل الصلاة وإن كان سهوا، فإن كان قليلا لم تبطل، ويسجد للسهو.

وأما الكلام العمد: فإنه تبطل به الصلاة مطلقا، سواء قل أم كثر، وفي بطلان الصلاة بتكرار أقوال الصلاة، أو بعض منها خلاف، والصحيح عدم البطلان، قال النووي: فإن قرأ الفاتحة مرتين سهوا.. لم يضر، وإن تعمد فوجهان، الصحيح المنصوص: لا تبطل؛ لأنه لا يخل بصورة الصلاة، والثاني: تبطل، كتكرار الركوع... والمذهب أنها لا تبطل، وبه قال الأكثرون، وكذا لو كرر التشهد الآخر، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمدا.. لا تبطل؛ لما ذكرناه، قال المتولي، وغيره: وإذا كرر الفاتحة، وقلنا: لا تبطل صلاته لا يجزيه عن السورة بعد الفاتحة. اهـ.

فإذا قرأ شيئا من أذكار الصلاة في غير موضعه سجد للسهو استحبابا، كما سبق في كلام النووي.

 أما إذا كرر الفاتحة، أو التشهد في موضعه، فالسجود لذلك محتمل عند الشافعية، على خلاف بينهم، والمعتمد عند متأخري محققيهم: السجود سواء فعله عمدا أم سهوا، قال ابن حجر الهيتمي في شرح العباب: يسجد للسهو أيضا في تكرير الفاتحة، كما نقله الزركشي عن الرافعي، وهو متجه، وإن جزم بعض المتأخرين بخلافه، لكن إن كررها عمدا لجريان وجه ببطلان الصلاة بذلك، فالسجود له أولى منه لنقل نحو السورة، ويحتمل إلحاق تكريرها سهوا، أو شكا بذلك، وهو قريب، قياسا على ما مر في نقل ذلك، لتركه التحفظ... وبما قررته يعلم أن الذي يتجه أن تكرير التشهد كتكرير الفاتحة في التفصيل المذكور، وأن ما في الخادم عن القاضي من أنه لو كرره ناسيا، أو شك فيه فأعاده.. لم يسجد، فيه نظر . اهـ.

وقال علامة الشافعية علي الشبراملسي في حاشية نهاية المحتاج: (قوله) ولو نقل ركنا قوليا قضية ما ذكر أنه لا يسجد لتكرير الفاتحة، أو التشهد؛ لأنه لم ينقله إلى غير محله، لكن عبارة ابن حجر في شرح الإرشاد: ويضم إلى هذه ـ أي؛ نقل الركن القولي ـ القنوت في وتر لا يشرع فيه، وتكرير الفاتحة، خلافا لبعضهم. اهـ.

وخرج بتكرير الفاتحة تكرير السورة، فلا يسجد له؛ لأنه كله يصدق عليه أنه قرآن مطلوب، وقياس ما ذكره في تكرير الفاتحة أنه يسجد بتكرير التشهد، انتهى ، وتبعه عليه سليمان الجمل في حاشية المنهج، والعلامة باعشن، وغيرهما، وللمزيد في هذه المسألة راجع الفتوى رقم: 157785.

على أنا ننبه على أن الأولى ترك تكرير الفاتحة إن كان قد أتمها على وجه صحيح، خروجا من خلاف من أبطل الصلاة بذلك، وقد مر ذكره، والخلاف موجود أيضا عند غير الشافعية، كفقهاء المالكية، وإن كان المعتمد عندهم أيضا عدم البطلان، ومذهبهم السجود للسهو دون العمد، كما بيناه في الفتوى رقم: 221389.

 وقد صرح فقهاء الحنابلة بكراهة تكريرها، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 125639.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة