ما حكم قول: "فلان من أهل الله" لمن لم يحفظ القرآن؟

0 276

السؤال

ما حكم قول: "فلان من أهل الله" وهو رجل عامي لا يحفظ القرآن؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن المراد بقولهم: "من أهل الله": أنه من أهل العبادة، والصلاح، أو أنه من أولياء الله.

وقد جاء في الحديث الذي رواه أحمد، والنسائي، وابن ماجه، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لله أهلين من خلقه. قالوا: ومن هم يا رسول الله؟ قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته.

قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر: أي: حفظة القرآن العاملون به هم أولياء الله المختصون به اختصاص أهل الإنسان به. اهـ. وقال المناوي في فيض القدير: سموا بذلك تعظيما لهم، كما يقال: بيت الله. اهـ.

ولا يلزم أن يكون الرجل حافظا لكتاب الله، ولا عالما من العلماء حتى يقال: إنه صاحب عبادة، أو من أولياء الله الصالحين، وإنما خص النبي صلى الله عليه وسلم أهل القرآن في هذا الحديث؛ بيانا لقدرهم، وعلو مكانتهم عند الله، لا لأن غير الحفظة ليسوا من أهل الله، وأوليائه.

وقد قال تعالى: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم {يونس:64:62}.

فبين الله أن أولياءه هم المؤمنون المتقون، وقد يكون الرجل تقيا وهو من عوام الناس، ولا يحفظ من القرآن إلا شيئا يسيرا يقيم به صلاته.

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن من الناس من لا يكون له قدر في نظر الناس، لا يبالون به، ولا يلتفتون إليه، وقدره عند الله عظيم، كما عند الترمذي، وحسنه، من حديث أنس بن مالك: كم من أشعث أغبر ذي طمرين، لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره، منهم: البراء بن مالك.

وقد روي عن أنس أيضا، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عمار مساجد الله هم أهل الله -عز وجل-. رواه الطيالسي، وعبد بن حميد، وغيرهما.

قال الصنعاني في التنوير: أراد بعمارته: بناءها، والعبادة فيها، والتسريح، والتنظيف. (هم أهل الله) لأنهم عمروا بيوته، كما يعمر الإنسان بيته؛ فإن أهل الرجل عمار بيته، وسكانها. اهـ.

وقد قال تعالى: ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون * إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين {التوبة:17-18}. فأهل الله هم المؤمنون المتقون الذين هم أولياؤه حقا.

وقد كانت العرب -بعد حادثة الفيل- تسمي قريشا أهل الله، قال ابن إسحاق: فلما رد الله الحبشة عن مكة، وأصابهم بما أصابهم به من النقمة، أعظمت العرب قريشا، وقالوا: هم أهل الله، قاتل الله عنهم، وكفاهم مؤونة عدوهم. فقالوا في ذلك أشعارا يذكرون فيها ما صنع الله بالحبشة، وما رد عن قريش من كيدهم.

وقد كانت قريش تزعم أنهم هم أهل الله، ويستكبرون بذلك على غيرهم، كما زعمت اليهود والنصارى أنهم أولياء الله، وأبناؤه، وأحباؤه، واستكبروا بذلك على غيرهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان: ومن ادعى محبة الله، ولم يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم، فليس من أولياء الله، وإن كان كثير من الناس يظنون في أنفسهم، أو في غيرهم، أنهم من أولياء الله، ولا يكونون من أولياء الله، فاليهود والنصارى يدعون أنهم أولياء لله ... وكان مشركو العرب يدعون أنهم أهل الله؛ لسكناهم مكة، ومجاورتهم البيت، وكانوا يستكبرون به على غيرهم، كما قال تعالى: {قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون * مستكبرين به سامرا تهجرون}، وقال تعالى: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك} إلى قوله: {وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون}. فبين سبحانه أن المشركين ليسوا أولياءه، ولا أولياء بيته، إنما أولياؤه المتقون. اهـ.

ويروى في السير والمغازي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعتاب بن أسيد لما أمره على أهل مكة: استعملتك على أهل الله، فاستوص بهم خيرا. ومعلوم أنهم لم يكونوا حافظين لكتاب الله.

وقال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- لما ولى على المؤمنين عمر بن الخطاب: اللهم إني استخلفت على أهلك خير أهلك. ولم يكن جميع المسلمين حفظة لكتاب الله، بل كان أكثرهم لا يحفظونه.

وهذا كله فيه عدم اختصاص حفظة القرآن بكونهم أهل الله، بل أهل الله هم أولياؤه المؤمنون المتقون؛ ولهذا سمى بعض أهل العلم أهل العبادة، والزهد، وقيام الليل، وصيام النهار: أهل الله، كما قال شرف الدين ابن المقرئ اليماني الشافعي في قصيدته التي رد فيها على غلاة الصوفية أتباع ابن عربي وأمثاله:

على الشرع كانوا ليس فيهم لوحدة ... ولا لحلول الحق ذكر لذاكر.

رجال رأوا ما الدار دار إقامة ... لقوم، ولكن بلغة للمسافر.

فأحيوا لياليهم صلاة وبيـتوا ... بها خوف رب العرش صوم البواكر.

مخافة يوم مستطير بشره ... عبوس المحيا قمطرير الظواهر.

فقد نحلت أجسادهم وأذابها ... قيام لياليهم وصوم الهواجر.

أولئك أهل الله فالزم طريقهم ... وعد عن دواعي الابتداع الكوافر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة