الرد على المسيئ بقدر إساءته ليس ظلما

0 138

السؤال

أشكركم على جهودكم الطيبة في هذا الموقع الأكثر من رائع.
أريد أن أستفسر عن أمر:
هل المعاملة بالمثل تعد ظلما للعباد ويجب ردها إلى أهلها؟ أم تكفيها التوبة "اللهم تب علينا يا رب العالمين"
فمثلا لو قام أحد بسبي أو شتمي فقمت أنا بالإساءة إليه، فهل هذا ظلم؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن معاملة المرء غيره بمثل ما عامله به من إساءة ـ إن كانت مما يباح ردها بالمثل ـ لا تعد ظلما إن كانت بقدر الإساءة دون بغي وزيادة، ولا يعد ظالما من انتصر من ظالمه بقدر ظلامته، قال تعالى: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين {النحل:126}،  وقال تعالى: وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين {الشورى:40}.

فمن سبه أحد أو شتمه فرد عليه بقدر إساءته ـ إن كانت مما يباح ردها بالمثل ـ كان قد انتصر بذلك انتصارا مباحا، ولا يعد ذلك ظلما منه للبادئ بالإساءة، وقد جاء في الحديث عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: المستبان ما قالا، فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم. أخرجه مسلم.

قال النووي في شرحه: معناه: أن إثم السباب الواقع من اثنين مختص بالبادئ منهما كله، إلا أن يتجاوز الثاني قدر الانتصار، فيقول للبادئ أكثر مما قال له، وفي هذا جواز الانتصار، ولا خلاف في جوازه، وقد تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة. قال الله تعالى: ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل {الشورى:41}، وقال تعالى: والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون {الشورى:39}، ومع هذا فالصبر والعفو أفضل، قال الله تعالى: ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور {الشورى:43}، وللحديث المذكور بعد هذا: ما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، واعلم أن سباب المسلم بغير حق حرام؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: سباب المسلم فسوق. ولا يجوز للمسبوب أن ينتصر إلا بمثل ما سبه، ما لم يكن كذبا أو قذفا، أو سبا لأسلافه، فمن صور المباح أن ينتصر بيا ظالم، يا أحمق، أو جافي أو نحو ذلك؛ لأنه لا يكاد أحد ينفك من هذه الأوصاف. قالوا: وإذا انتصر المسبوب استوفى ظلامته، وبرئ الأول من حقه، وبقي عليه إثم الابتداء أو الإثم المستحق لله تعالى، وقيل: يرتفع عنه جميع الإثم بالانتصار منه، ويكون معنى على البادئ أي عليه اللوم والذم لا الإثم.اهـ.

فانتصار المظلوم من ظالمه بقدر مظلمته مباح، وليس ظلما، وذلك لأن العفو عن الظالم مستحب مندوب إليه، وليس بواجب، قال ابن تيمية: وقد قال تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله}، وقال: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} الآية، فإن كان الشخصان قد اختصما نظر أمرهما فإن تبين ظلم أحدهما كان المظلوم بالخيار بين الاستيفاء والعفو، والعفو أفضل.

فإن كان ظلمه بضرب أو لطم فله أن يضربه أو يلطمه كما فعل به عند جماهير السلف وكثير من الأئمة وبذلك جاءت السنة، وقد قيل: إنه يؤدب ولا قصاص في ذلك، وإن كان قد سبه فله أن يسبه مثل ما سبه إذا لم يكن فيه عدوان على حق محض لله أو على غير الظالم، فإذا لعنه أو سماه باسم كلب ونحوه فله أن يقول له مثل ذلك فإذا لعن أباه لم يكن له أن يلعن أباه؛ لأنه لم يظلمه، وإن افترى عليه كذبا لم يكن له أن يفتري عليه كذبا؛ لأن الكذب حرام لحق الله، كما قال كثير من العلماء في القصاص في البدن: أنه إذا جرحه أو خنقه أو ضربه ونحو ذلك يفعل به كما فعل، فهذا أصح قولي العلماء إلا أن يكون الفعل محرما لحق الله كفعل الفاحشة أو تجريعه الخمر فقد نهى عن مثل هذا أكثرهم... وإذا طلب من المظلوم العفو بعد اعتراف الظالم فأجاب: كان من المحسنين الذين أجرهم على الله، وإن أبى إلا طلب حقه لم يكن ظالما، لكن يكون قد ترك الأفضل الأحسن، فليس لأحد أن يخرجه عن أهل الطريق بمجرد ذلك كما قد يفعله كثير من الناس، قال الله تعالى: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل * إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم} فإنه لو كان من ترك الإحسان الذي لا يجب عليه يحسب خارجا عن الطريق خرج عنه جمهور أهله. اهـ. باختصار.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة