قد يكون المنع نعمة والبلاء رحمة

0 376

السؤال

السلام عليكم
أريد من فضلكم معرفة مغزى قوله تعالى "ويجعل من يشاء عقيما" لأن زوج أختي عقيم وهذه الآية أثرت عليه أكثر، وشكرا أنتظر إجابتكم عبر البريد الإلكتروني جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد قال الله تعالى: لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور* أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير [الشورى:49-50]. فتأمل هذا التذييل الذي ختم به -سبحانه الآية- في قوله: إنه عليم قدير أي أن هبة الذكور أو هبة الإناث أو المنع من ذلك، كل ذلك تابع لعلمه -سبحانه- وقدرته، قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: والمعنى: أن خلقه ما يشاء ليس خلقا مهملا عريا عن الحكمة، لأنه واسع العلم لا يفوته شيء من المعلومات، فخلقه الأشياء يجري على وفق علمه وحكمته. فمن عرف أن ربه خالق السماوات والأرض، ومالكها والمتصرف فيها، يعطي لمن يشاء ويمنع عمن يشاء فيرزق من يشاء ذرية إناثا وذكورا ويهب من يشاء ذكورا فقط أو إناثا فقط، ويمنع ذلك عمن يشاء فيجعله عقيما بلا نسل، وأن كل ذلك تابع لعلمه وحكمته، اطمأن قلبه بقضاء الله وقدره وفوض أمره له ورضي بما يختار له مولاه سبحانه، فقد قال الله تعالى: والله يعلم وأنتم لا تعلمون [البقرة:216]. وقال جل وعلا: لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير [النور:11]. ولله تعالى على عبده نعمة في عطائه كما له عليه نعمة في منعه، فالله تعالى لا يقضي لعبده المؤمن قضاء إلا كان خيرا له، ساءه هذا القضاء أو سره، قال بعض السلف: يا ابن آدم نعمة الله عليك في ما تكره أعظم من نعمته عليك في ما تحب، وقد قال تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم [البقرة:216]. وقال آخر: ارض عن الله في جميع ما يفعله بك فإنه ما منعك إلا ليعطيك ولا ابتلاك إلا ليعافيك. قال سفيان الثوري: منعه عطاء، وذلك أنه لم يمنع عن بخل ولا عدم إنما نظر في خير عبده المؤمن، فمنعه اختيار أو حسن نظر. قال ابن القيم معلقا على ذلك: المنع عطاء وإن كان في صورة المنع ونعمة وإن كان في صورة محنة، وبلاؤه عافية وإن كان في صورة بلية، ولكن لجهل العبد وظلمه لا يعد العطاء والنعمة والعافية إلا ما التذ به في العاجل وكان ملائما لطبعه، ولو رزق من المعرفة حظا وافرا لعد المنع نعمة والبلاء رحمة. وتأمل في قوله تعالى: وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا* فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما [الكهف:80-81]، أرسل الله عبده الخضر يقتل هذا الغلام خشية على أبويه أن يحملهما حبه على متابعته في الكفر، قال قتادة في تفسير الآية: قد فرح به أبواه حين ولد وحزنا حين قتل ولو بقي لكان فيه هلاكهما، فليرض امرؤ بقضاء الله، فإن قضاء الله للمؤمن في ما يكره خير له من قضائه في ما يحب. واعلم أن الله يبتلي عباده بالمنع كما يبتليهم بالعطاء، هل يشكرون أم لا وهل يصبرون أم لا، كما قال الله تعالى: وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون [الأعراف:168]، وقال: ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون [الأنبياء:35]، وقال جل من قائل: فأما الأنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن* وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن [الفجر:15-16]. أي ما كل من وسعت عليه أكرمته ولا كل من قدرت عليه أكون قد أهنته، بل هذا ابتلاء ليشكر العبد على السراء والضراء، فمن رزق الشكر والصبر فقد رزق الخير كله، كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن اصابته ضراء صبر فكان خيرا له. رواه مسلم. والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات