مستند السلف في تصحيح الأحاديث وتلقيها بالقبول

0 111

السؤال

من المعلوم أن الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول، تعتبر حجة، والإجماع منعقد على ذلك -فيما أعلم- بين أهل السنة، فالمستدل من المتأخرين يقبل الحديث؛ لأن السلف تلقوه بالقبول.
سؤالي: ما هو مستند السلف في قبول هذا الحديث؛ بمعنى: نحن استدللنا به لأنه متلقى بالقبول، لكن السلف لم يسبقهم أحد تلقاه بالقبول.
فما هو مستندهم؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، أن جميع أهل العلم بالحديث، يجزمون بصحة أحاديث الصحيحين؛ لتلقيهم لها بالقبول.

  حيث قال -رحمه الله- في مجموع الفتاوى: من الحديث الصحيح ما تلقاه المسلمون بالقبول، فعملوا به، كما عملوا بحديث الغرة في الجنين، وكما عملوا بأحاديث الشفعة، وأحاديث سجود السهو ونحو ذلك. فهذا يفيد العلم، ويجزم بأنه صدق؛ لأن الأمة تلقته بالقبول تصديقا، وعملا بموجبه، والأمة لا تجتمع على ضلالة؛ فلو كان في نفس الأمر كذبا، لكانت الأمة قد اتفقت على تصديق الكذب، والعمل به، وهذا لا يجوز عليها. ومن الصحيح ما تلقاه بالقبول، والتصديق أهل العلم بالحديث، كجمهور أحاديث البخاري ومسلم؛ فإن جميع أهل العلم بالحديث يجزمون بصحة جمهور أحاديث الكتابين، وسائر الناس تبع لهم في معرفة الحديث، فإجماع أهل العلم بالحديث على أن هذا الخبر صدق، كإجماع الفقهاء على أن هذا الفعل حلال، أو حرام، أو واجب. وإذا أجمع أهل العلم على شيء، فسائر الأمة تبع لهم؛ فإجماعهم معصوم، لا يجوز أن يجمعوا على خطأ. انتهى.
وأما عن مستند السلف في قبولهم الأحاديث، فهو حفظهم للأحاديث، ومعرفتهم التامة بحال الرواة الذين رووا عنهم تلك الأحاديث، فيسبرون أحاديث كل راو، فيعرفون من يقبل حديثه مطلقا، ومن يرد، ومن يقبل حديثه في الشواهد والمتابعات، دون غيرها وهكذا.
قال العلامة عبد الرحمن بن يحيي المعلمي اليماني -رحمه الله- في كتابه الأنوار الكاشفة: كان الأئمة يعتبرون حديث كل راو، فينظرون كيف حدث به في الأوقات المتفاوتة، فإذا وجدوه يحدث مرة كذا، ومرة كذا بخلاف لا يحتمل، ضعفوه. وربما سمعوا الحديث من الرجل، ثم يدعونه مدة طويلة، ثم يسألونه عنه. ثم يعتبرون مروياته برواية من روى عن شيوخه، وعن شيوخ شيوخه، فإذا رأوا في روايته ما يخالف رواية الثقات، حكموا عليه بحسبها. وليسوا يوثقون الرجل لظهور صلاحه في دينه فقط، بل معظم اعتمادهم على حاله في حديثه كما مر، وتجدهم يجرحون الرجل بأنه يخطئ ويغلط، وباضطرابه في حديثه، وبمخالفته الثقات، وبتفرده، وهلم جرا.

ونظرهم عند تصحيح الحديث أدق من هذا. نعم، إن هناك من المحدثين من يسهل ويخفف، لكن العارف لا يخفى عليه هؤلاء، من هؤلاء.

فإذا رأيت المحققين قد وثقوا رجلا مطلقا، فمعنى ذلك أنه يروي الحديث بلفظه الذي سمعه، أو على الأقل إذا روى بالمعنى، لم يغير المعنى.

وإذا رأيتهم قد صححوا حديثا، فمعنى ذلك أنه صحيح بلفظه، أو على الأقل بنحو لفظه، مع تمام معناه. فإن بان لهم خلاف ذلك، نبهوا عليه، كما تقدم. وقال أيضا: كان العالم يعرف أحوال من أدركهم؛ إما باختباره لأحوالهم بنفسه، وإما بإخبار الثقات له، ويعلم أحوال من تقدمه بإخبار الثقات، أو بإخبار الثقات عن الثقات، وهكذا، ويحفظ ذلك كله، كما يحفظ الحديث بأسانيده، حتى كان منهم من يحفظ الألوف، ومنهم من يحفظ عشرات الألوف، ومنهم من يحفظ مئات الألوف بأسانيدها. فكذلك كانوا يحفظون تراجم الرواة بأسانيدها، فيقول أحدهم: أخبرني فلان، أنه سمع فلانا قال: قال فلان: لا تكتبوا عن فلان فإنه كذاب، وهكذا. انتهى من: آثار الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيي المعلمي اليماني.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة