حكم صلاة من نبّه غيره أنه فعل ما تبطل به الصلاة

0 162

السؤال

إذا كنت أصلي الفجر إماما بأحدهم، ثم سمعت من يصلي معي يتنحنح، أو يفعل شيئا يبطل الصلاة، ولم ينتبه، فنبهته أنه تنحنح، أو فعل شيئا يبطل الصلاة، فإذا كان الشيء الذي فعله لم ينتبه له هو، ولا غيره -كأن ظن أنه كان متوضئا، وهو لم يكن كذلك- فهل صلاته باطلة؟ وإن نبهه أحد على أنه لم يكن متوضئا، أو تنحنح وكان ناسيا، فهل عليه أن يعيد الصلاة؟ وإن تنبه أحدهم أنه فعل شيئا يبطل الصلاة ولم ينبهه حتى لا يشق عليه، فهل هذا تصرف حسن أم يأثم فاعله؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فسؤالك يكتنفه شيء من الغموض، وعدم الوضوح، والذي فهمناه أنك تسأل عن أمرين:

أولهما: عن حكم صلاة المأموم إن فعل ما تبطل به الصلاة، وهو لا يعلم.

وثانيهما: عن حكم صلاة من نبهه أنه فعل ما تبطل به الصلاة.

 أما سؤالك: هل تبطل صلاة المأموم إن فعل ما تبطل به الصلاة ولم يعلم هو به، كأن يكون على غير طهارة؟

فجوابه: لا شك أن صلاته لا تصح لو صلى على غير طهارة، وتلزمه الإعادة متى علم بذلك، فمن صلى بغير طهارة لم تصح صلاته، سواء كان إماما أو مأموما، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وكذلك من نسي طهارة الحدث وصلى ناسيا: فعليه أن يعيد الصلاة بطهارة بلا نزاع. اهــ.

ولا تبطل صلاته إن تنحنح ناسيا، ولو بان منه حرفان، كما بيناه في الفتوى رقم: 101701.

وأما حكم صلاة من نبهه ـ كتنبيهك أنت الإمام له، كما في قولك: ثم نبهته ـ فإن كنت تعني أنك نبهته في الصلاة بالكلام، بأن قلت له مثلا: أنت على غير طهارة، أو قلت له: بطلت صلاتك بالتنحنح ـ مثلا، فإن صلاتك تبطل بذلك، وتلزمك إعادتها أيضا؛ لأن الكلام الذي ليس من جنس أقوال الصلاة مبطل للصلاة، إلا إن تكلمت ناسيا أو جاهلا، وانظر الفتوى رقم: 127831، عن صلاة الإمام إذا تكلم في الصلاة.

وكونك تريد أن تنبه المأموم حتى لا تشق عليه الإعادة فيما بعد، هذا ليس عذرا يبيح الكلام في الصلاة، فالصلاة لا يتكلم بغير أذكارها فيها، حتى لرد السلام الذي هو واجب في الأصل، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه امتنع من رده وهو في الصلاة، ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي، سلمنا عليه، فلم يرد علينا، فقلنا: يا رسول الله، كنا نسلم عليك في الصلاة، فترد علينا، فقال: إن في الصلاة شغلا.

وإن كنت نبهته بغير كلام كأن سبحت له، أو صفقت، أو ضربت على فخذك مثلا لم تبطل الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر الصحابة بإعادة الصلاة حين نبهوا معاوية بن الحكم السلمي ـ رضي الله عنه ـ بضرب أيديهم على أفخاذهم حين تكلم في الصلاة، وذلك فيما رواه مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي، قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه، ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله، ما كهرني، ولا ضربني، ولا شتمني، قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن.

قال الشيخ ابن عثيمين عند ذكره لفوائد الحديث السابق: ومنها جواز الحركة للحاجة أيضا؛ لأن الصحابة جعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتون معاوية، ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم. اهــ. 

وأيضا لم يأمرهم بالإعادة حين نبهوا أبا بكر الصديق بالتصفيق حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الصلاة، وكان أبو بكر يصلي بهم إماما، والقصة رواها الشيخان في صحيحيهما، وفيها: فكبر للناس، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي في الصفوف يشقها شقا، حتى قام في الصف، فأخذ الناس في التصفيح - قال سهل: التصفيح: هو التصفيق ـ قال: وكان أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس التفت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليه يأمره أن يصلي، فرفع أبو بكر -رضي الله عنه- يده، فحمد الله، ثم رجع القهقرى وراءه حتى قام في الصف، وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى للناس، فلما فرغ أقبل على الناس، فقال: يا أيها الناس، ما لكم حين نابكم شيء في الصلاة أخذتم بالتصفيح؟ إنما التصفيح للنساء، من نابه شيء في صلاته، فليقل: سبحان الله.. 

إلا أن التصفيق للرجال مكروه؛ لأنهم أمروا بالتسبيح، وتبطل به الصلاة إن كثر، قال المرداوي في الإنصاف: ويكره له التصفيق، وتبطل الصلاة به إن كثر. اهــ.

وتنبيه الإمام بالنحنحة لا تبطل به الصلاة كذلك، فقد سئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: إذا نبه الإمام من قبل المأمومين بدون تسبيح، فهل يعطى ذلك حكم التسبيح مثل أن يتنحنحوا؟

فأجاب الشيخ بقوله: نعم إذا نبه الإمام من قبل المأمومين بغير تسبيح، فكما لو نبهوه بتسبيح.

والله أعلم. 

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة