بيان وجوب الجمعة، والرد عى الزعم بأنها فرض كفاية أو سنة

0 277

السؤال

اختلف الفقهاء حول حكم صلاة الجمعة إلى قائلين بأنها فرض عين، وقائلين بأنها فرض كفاية، وقائلين بأنها سنة، فهل إذا أخذت بالرأي الأول أو الرأي الثاني مهملا الرأي الثالث لشذوذه أكون غير آثم؟ أرجو الرد بتجرد وموضوعية.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن كنت تعني صلاة الجمعة -كما كتبت في السؤال- وليس صلاة الجماعة، فإنه قد انعقد الإجماع على أنها فرض عين على من توافرت فيه شروطها، قال ابن عبد البر في الاستذكار: وأجمع علماء الأمة أن الجمعة فريضة على كل حر بالغ ذكر يدركه زوال الشمس في مصر من الأمصار، وهو من أهل المصر غير مسافر.. اهــ.

وقال ابن المنذر في الإجماع: وأجمعوا على أن الجمعة واجبة على الأحرار البالغين المقيمين الذي لا عذر لهم. اهـ.

وقال ابن قدامة في المغني: الأصل في فرض الجمعة الكتاب والسنة والإجماع.... وأجمع المسلمون على وجوب الجمعة. اهـ.

ولا يجوز لأحد ممن وجبت عليه أن يتخلف عنها بحجة أن هناك قولا بأنها فرض كفاية أو أنها سنة، ومن تخلف عنها بتلك الحجة، فهو جاهل وعاص لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، والقول أيضا بأنها فرض كفاية غلط أيضا على أهل العلم، وقد غلطوا من نسبه إليهم، بل هي فرض عين بالإجماع ـ كما مر في كلام ابن عبد البر ـ قال النووي في المجموع: فالجمعة فرض عين على كل مكلف غير أصحاب الأعذار والنقص المذكورين، هذا هو المذهب، وهو المنصوص للشافعي في كتبه، وقطع به الأصحاب في جميع الطرق، إلا ما حكاه القاضي أبو الطيب في تعليقه وصاحب الشامل وغيرهما عن بعض الأصحاب أنه غلط فقال هي فرض كفاية، قالوا: وسبب غلطه أن الشافعي قال: من وجبت عليه الجمعة وجبت عليه صلاة العيدين، قالوا: وغلط من فهمه، لأن مراد الشافعي من خوطب بالجمعة وجوبا خوطب بالعيدين متأكدا، واتفق القاضي أبو الطيب وسائر من حكى هذا الوجه على غلط قائله، قال القاضي أبو اسحق المروزي: لا يحل أن يحكى هذا عن الشافعي، ولا يختلف أن مذهب الشافعي أن الجمعة فرض عين، ونقل ابن المنذر في كتابيه كتاب الإجماع والإشراف إجماع المسلمين على وجوب الجمعة. اهـــ

وغلطوا الخطابي أيضا في حكايته عن الجمهور أنها فرض كفاية، فإن هذا خلاف الواقع، قال الشوكاني في نيل الأوطار نقلا عن الحافظ العراقي: وأما ما ادعاه الخطابي من أن أكثر الفقهاء قالوا: إن الجمعة فرض على الكفاية، ففيه نظر، فإن مذاهب الأئمة الأربعة متفقة على أنها فرض عين، لكن بشروط يشترطها أهل كل مذهب. اهـ.

ولم يقل أحد من أهل العلم إنها سنة، وما نقل عن الإمام مالك من أن شهودها سنة لا يعني به السنة المصطلح عليها عند متأخري الفقهاء، قال الشوكاني في نيل الأوطار: قال ابن العربي: وحكى ابن وهب عن مالك أن شهودها سنة، ثم قال: قلنا: له تأويلان:

أحدهما: أن مالكا يطلق السنة على الفرض.
الثاني: أنه أراد سنة على صفتها لا يشاركها فيه سائر الصلوات حسب ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله المسلمون، وقد روى ابن وهب عن مالك:  عزيمة الجمعة على كل من سمع النداء. اهـ.

وقال ابن عبد البر في الاستذكار بعد تقرير أن الجمعة فرض عين: فإن قال بعض أهل الجهل إنه روى ابن وهب عن مالك أن شهودها سنة، فالجواب عن ذلك أن شهودها سنة على أهل القرى الذين اختلف السلف والخلف في إيجاب الجمعة عليهم، وأما أهل الأمصار فلا.... على أنه يحتمل أن يكون قول مالك سنة أي طريقة الشريعة التي سلكها المسلمون ولم يختلفوا فيها، هذا لو أراد الجمعة بالأمصار، وقال مكحول: السنة سنتان: سنة فريضة، وسنة غير فريضة، فالسنة الفريضة الأخذ بها فريضة وتركها كفر، والسنة غير الفريضة الأخذ بها فضيلة وتركها إلى غير حرج، وقد روى ابن وهب عن مالك قال: سمعت بعض أهل العلم يقول: كان الناس في زمن رسول الله ينزلون من العوالي يشهدون الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: والعوالي من المدينة على ثلاثة أميال أو نحو ذلك، قال: ولم يبلغني أن شهودها يجب على أحد أبعد من ذلك، قال أبو عمر: هذا يدل على أنها واجبة على هؤلاء عنده وعلى من هو أقرب إلى المصر منهم، وأما المصر فيه عنده واجبة على أهله وعلى كل من سمع النداء، أو كان بمكان يسمع منه. اهــ. 

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة