تفسير قوله تعالى: لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ، وقوله: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ

0 179

السؤال

أريد ملخصا لتفسير هذه الآيات:
ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا {النساء:30}.
ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون {البقرة:188}.
وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا {النساء:2}.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

أما الآية الأولى: فهي مرتبطة بالآية التي قبلها من سورة النساء, وهي قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما * ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا {النساء:29-30}.

قال السعدي في تفسيره: ينهى تعالى عباده المؤمنين أن يأكلوا أموالهم بينهم بالباطل، وهذا يشمل أكلها بالغصوب، والسرقات، وأخذها بالقمار، والمكاسب الرديئة، بل لعله يدخل في ذلك أكل مال نفسك على وجه البطر والإسراف؛ لأن هذا من الباطل وليس من الحق، ثم إنه لما حرم أكلها بالباطل أباح لهم أكلها بالتجارات، والمكاسب الخالية من الموانع، المشتملة على الشروط من التراضي، وغيره.

ولا تقتلوا أنفسكم ـ أي: لا يقتل بعضكم بعضا، ولا يقتل الإنسان نفسه، ويدخل في ذلك الإلقاء بالنفس إلى التهلكة، وفعل الأخطار المفضية إلى التلف، والهلاك.

إن الله كان بكم رحيما ـ ومن رحمته أن صان نفوسكم وأموالكم، ونهاكم عن إضاعتها وإتلافها، ورتب على ذلك ما رتبه من الحدود.

ثم قال: ومن يفعل ذلك ـ أي: أكل الأموال بالباطل، وقتل النفوس. عدوانا وظلما ـ أي: لا جهلا ونسيانا. فسوف نصليه نارا ـ أي: عظيمة، كما يفيده التنكير. وكان ذلك على الله يسيرا.

وعن الآية الثانية يقول الشوكاني في فتح القدير: والمعنى: أنكم لا تجمعوا بين أكل الأموال بالباطل وبين الإدلاء بها إلى الحكام بالحجج الباطلة، وفي هذه الآية دليل أن حكم الحاكم لا يحلل الحرام، ولا يحرم الحلال، من غير فرق بين الأموال، والفروج، فمن حكم له القاضي بشيء مستندا في حكمه إلى شهادة زور، أو يمين فجور، فلا يحل له أكله، فإن ذلك من أكل أموال الناس بالباطل، وهكذا إذا رشى الحاكم فحكم له بغير الحق، فإنه من أكل أموال الناس بالباطل، ولا خلاف بين أهل العلم أن حكم الحاكم لا يحلل الحرام، ولا يحرم الحلال. انتهى.

وقال ابن كثير في تفسيره: قال علي ابن أبي طلحة، وعن ابن عباس: هذا في الرجل يكون عليه مال، وليس عليه فيه بينة، فيجحد المال، ويخاصم إلى الحكام، وهو يعرف أن الحق عليه، وهو يعلم أنه آثم آكل حرام، قال قتادة: اعلم -يا ابن آدم- أن قضاء القاضي لا يحل لك حراما، ولا يحق لك باطلا، وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى ويشهد به الشهود والقاضي بشر يخطئ ويصيب، واعلموا أن من قضي له بباطل أن خصومته لم تنقض حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة، فيقضي على المبطل للمحق بأجود مما قضي به للمبطل على المحق في الدنيا. انتهى.

وعن الآية الثالثة يقول السعدي في تفسيره: وقوله تعالى: وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا ـ هذا أول ما أوصى به من حقوق الخلق في هذه السورة، وهم اليتامى الذين فقدوا آباءهم الكافلين لهم، وهم صغار ضعاف لا يقومون بمصالحهم، فأمر الرؤوف الرحيم عباده أن يحسنوا إليهم، وأن لا يقربوا أموالهم إلا بالتي هي أحسن، وأن يؤتوهم أموالهم إذا بلغوا ورشدوا، كاملة موفرة، وأن لا: تتبدلوا الخبيث ـ الذي هو أكل مال اليتيم بغير حق: بالطيب ـ وهو الحلال الذي ما فيه حرج ولا تبعة: ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم ـ أي: مع أموالكم، ففيه تنبيه لقبح أكل مالهم بهذه الحالة، التي قد استغنى بها الإنسان بما جعل الله له من الرزق في ماله، فمن تجرأ على هذه الحالة، فقد أتى: حوبا كبيرا ـ أي: إثما عظيما، ووزرا جسيما، ومن استبدال الخبيث بالطيب أن يأخذ الولي من مال اليتيم النفيس، ويجعل بدله من ماله الخسيس، وفيه الولاية على اليتيم؛ لأن من لازم إيتاء اليتيم ماله ثبوت ولاية المؤتي على ماله. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات