أقوال العلماء فيما ما يأخذ به من اختلفت عليه الفتوى

0 182

السؤال

لو أن هناك مسألة مالية لها عدة صور، أفتى فيها علماء بالفقه بالتحريم، وأفتى فيها عالم في الاقتصاد الإسلامي، بجواز صورة واحدة من صور هذه المسألة، بعد دراسة مستفيضة، ومستندا إلى علمه، وإلى فتاوى فقهاء سابقين لم يتراجعوا عنها، وفتواهم مبنية على نصوص شرعية، وأحداث من عهد النبي صلى الله عليه وسلم كابن تيميه -رحمه الله- مع اتفاقه مع باقي علماء الفقه في تحريم باقي الصور، علما بأن هذا العالم ممن يوثق بعلمه، وعضو في كثير من اللجان الشرعية في البنوك، ويستعان بأبحاثه في اتخاذ قرارات المجمع الفقهي الإسلامي، ويتم نشرها على موقعهم الإلكتروني.
هل يجوز الأخذ برأيه؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد ذكر أهل العلم أنه لا يلزم المقلد تقليد مفت بعينه، بل يجوز له أن يقلد من المفتين من شاء ممن يوثق بعلمه، وورعه.

 قال الطوفي -رحمه الله- في شرح مختصر الروضة: قوله: فإن استويا عنده، أي: إن استوى المجتهدان عند المستفتي في الفضيلة، واختلفا عليه في الجواب، ففيه ثلاثة أقوال:

أحدها: يتبع أيهما شاء مخيرا لعدم المرجح.

الثاني: يأخذ بأشد القولين؛ لأن الحق ثقيل مري، والباطل خفيف وبي، كما يروى في الأثر. وفي الحكمة: إذا ترددت بين أمرين، فاجتنب أقربهما من هواك. وروى الترمذي من حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما خير عمار بين أمرين، إلا اختار أشدهما. وفي لفظ: أرشدهما. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، ورواه أيضا النسائي وابن ماجه. فثبت بهذين اللفظين للحديث، أن الرشد في الأخذ بالأشد.

الثالث: يأخذ بأخف القولين؛ لعموم النصوص الدالة على التخفيف في الشريعة، كقوله عز وجل: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. انتهى.

وحكى العلامة ابن عثيمين هذه الأقوال، ورجح أنه يأخذ بالأيسر في هذه الحال.

قال رحمه الله: مسائل العلم يجب على الإنسان أن يتبع من يرى أنه أقرب إلى الصواب، إما: لغزارة علمه، وإما لثقته، وأمانته، ودينه.

فإن لم يعلم أيهما أرجح في ذلك، فقد قال بعض أهل العلم إنه يخير، إن شاء أخذ بقول هذا، وإن شاء أخذ بقول هذا، وقال بعض العلماء: يأخذ بما هو أحوط، أي بالأشد احتياطا وإبراء للذمة، وقال بعض العلماء: يأخذ بما هو أيسر؛ لأن ذلك أوفق للشريعة، إذ أن الدين الإسلامي يسر، كما قال الله تبارك تعالى: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وكما قال تعالى: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وكما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الدين يسر) وكما قال وهو يبعث البعوث: (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا؛ فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين) أي أنه إذا اختلفت آراء العلماء عندك، وليس عندك ترجيح، فإنك تأخذ بالأيسر لهذه الأدلة، ولأن الأصل براءة الذمة، ولو ألزمنا الإنسان بالأشد، للزم من ذلك إشغال ذمته، والأصل عدم ذلك. وهذا القول أرجح عندي، أي أن العلماء إذا اختلفوا على قولين، وتكافأت الأدلة عندك في ترجيح أحد القولين، فإنك تأخذ بالأيسر منهما، وهذا -أعني القول بالأخذ بالأيسر- فيما يتعلق بنفس الإنسان، أما إذا كان يترتب على ذلك مفسدة، فإنه يمتنع من إظهار ذلك وإعلانه... وعلى هذا فنقول: القول الصحيح أن نأخذ بالأيسر، ما لم يتضمن ذلك مفسدة، فإن تضمن ذلك مفسدة، فليأخذ بالأيسر في حق نفسه فقط. انتهى.

 والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة