فتوى القاضي... رؤية شرعية

0 146

السؤال

لدي استفسار حول الفرق بين فتوى المفتي، وفتوى القاضي.
إذا ذهب رجل، وسأل شيخا يعمل قاضيا في المحكمة الشرعية، في مسألة ما، دون أن يرفع ذلك للمحكمة، ولكن سأله في هذه المسألة، كما يسأل أي شيخ آخر.
هل فتوى القاضي، تعتبر ملزمة في هذه الحالة، أم إن المستفتي، يستطيع أن يأخذ بقول من أفتاه، بخلاف فتوى القاضي، وخاصة إذا كانت فتوى القاضي تستند إلى رأي مرجوح؟
وإذا كانت فتوى القاضي ليست ملزمة. هل ينطبق ذلك على كل المسائل الشرعية مثل أمور الزواج والطلاق، أو الكفر والعياذ بالله إلخ....
مثال على ذلك: مسألة من تمادى في صلاته حياء من الناس، فأفتاه القاضي بالكفر، وقال له أن يجدد عقد زواجه احتياطا، مع أن عددا من المشايخ، وأهل العلم أفتوه بخلاف ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فقد سبق أن بينا الفرق بين الفتوى، والقضاء، في الفتوى رقم: 139799، والفتوى غير ملزمة، ولا ترفع الخلاف ولو صدرت من القاضي، وإنما الذي يلزم، ويرفع الخلاف، حكم القاضي، لا فتواه، وفتواه ليست حكما.

قال ابن القيم في إعلام الموقعين: الفائدة السابعة والثلاثون: (فتيا الحاكم، ليست حكما منه) .. اهـ.
وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أن القاضي لا يفتي، لا سيما في مجلس القضاء، وفي المسائل التي يقع فيها الخصام.

قال ابن فرحون في تبصرة الحكام: قال مالك: لا يفتي القاضي في مسائل القضاة، وأما في غير ذلك، فلا بأس به، وكان سحنون - رحمه الله- إذا أتاه رجل يسأله عن مسألة من مسائل الأحكام، لم يجبه، وقال: هذه مسألة خصومة .. اهـ.
وجاء في الشرح الكبير شرح مختصر خليل للدردير المالكي: (ولم يفت) يعني يكره للقاضي أن يفتي (في خصومة) أي فيما شأنه أن يخاصم فيه كالبيع، والشفعة، والجنايات، وإن لم يقع؛ لأن الإفتاء يؤدي إلى تطرق الكلام فيه؛ لأنه إن حكم بما أفتى، ربما قيل حكم بذلك لتأييد فتواه، وإن حكم بخلافه؛ لتجديد نظر، أو ترجيح حكم، قيل إنه حكم بما لم يفت به، وقد يكون السؤال مزورا .. اهــ.

وقال الدسوقي في حاشيته عليه: (قوله: يكره للقاضي أن يفتي في خصومة) أي فيما شأنه أن يخاصم فيه، احترازا عن العبادات والذبائح، والأضحية وكل ما لا يدخله حكم الحاكم، فلا يكره إفتاؤه فيه، وما ذكره من الكراهة صرح به البرزلي، وظاهر ابن عبد السلام المنع. قال البرزلي: وهذا إذا كانت الفتوى فيما يمكن أن تعرض بين يديه، فلو جاءته من خارج بلده، أو من بعض الكور على يدي عماله، فليجبه عنها. اهـ. بن [البناني]: قال شيخنا العدوي: وكذا إذا علم بالقرائن، أن قصد السائل مجرد الاستفهام، كما لو كان من الطلبة الذين شأنهم تعلم الأحكام، فلا يكره للقاضي إجابته ... اهـ.
وفي المبسوط للسرخسي الحنفي: وأكره للقاضي أن يفتي للخصوم في القضاء، كراهة أن تعلم الخصوم قوله، فتحترز منه بالباطل؛ لحديث شريح - رحمه الله- حين سئل عن مسألة الحبس: قال إنما أقضي، ولست أفتي، وقد كره بعض الناس للقاضي أن يفتي في المعاملات أصلا، وقالوا يفتي في العبادات، وكره بعضهم أن يفتي في مجلس القضاء، وقالوا لا بأس به في غير مجلس القضاء؛ لأن كل واحد من الأمرين مهم. فإذا جمع بينهما في مجلس يخاف الخلل فيهما، والأصح أنه لا بأس بأن يفتي في المعاملات والعبادات في مجلس القضاء، وفي غير مجلس القضاء، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتي، ويقضي، والخلفاء -رضي الله عنهم- بعده كذلك، والقضاء فتوى في الحقيقة، إلا أنه ملزم. اهـ.
 والله أعلم. 

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة