الفرق بين الحسب والنسب وبيان عدم التعارض بين الأحاديث المذكورة

0 1798

السؤال

ما هو الفرق بين الحسب، والنسب؟
وكيف نجمع بين حديث: أربع من أمتي من أمر الجاهلية، وذكر منها الفخر في الأحساب، وأحاديث أخرى تنص على أن المرأة تنكح لأربع، وذكر منها نسبها، وأيضا: تخيروا لنطفكم؛ فإن العرق دساس؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا تعارض بين الأحاديث المذكورة.

فأما حديث أبي مالك الأشعري في صحيح مسلم وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أربع في أمتي من أمر الجاهلية، لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة.

فالمراد التفاخر على الغير بالآباء ومآثرهم، والحط من قدر آباء غيره، وصفاتهم، ونسبهم، على سبيل التعالي والتباهي، والتكبر.

قال التوربشتي -رحمه الله- في "شرح المصابيح": ومعنى هذا الكلام: أن الأشياء الأربعة من أمر الجاهلية، تدوم في أمتي، وأراد: أن الأمة بأسرهم لا يتركونها تركهم لغيرها من سنن أهل الجاهلية؛ إن تركها طائفة، تمسك بها آخرون.

فمن ذلك: الفخر والتفاخر، ومعناه: التكبر والتعاظم من الرجل بعد مناقبه، ومآثر آبائه، والفخر: المباهاة في الأشياء، الخارجة عن الإنسان، كالمال والجاه.

وقوله: (في الأحساب) أي: في شأن الأحساب، وفي الحديث: (كرم الرجل: دينه، وحسبه خلقه)، وفي ذلك نفي ما كان عليه أهل الجاهلية، وفيه تنبيه على أن الحسب الذي يحمد به الإنسان: ما تحلى به من خصال الخير في نفسه، لا ما يعده من الأشياء الخارجة عنه.

وفيه: (والطعن في الأنساب): يحتمل: أن يراد به الطعن بالدعوة، والدعوى في النسب، والظاهر: أن المراد منه الطعن فيمن ينسب إليه حجيج الطاعن؛ فينسب آباءه وذويه عند المساجلة، والمساماة إلى الخمول والخساسة، والغموض، والانحطاط؛ لأنه ذكر في مقابلة الفخر في الأحساب. اهـ.

وقال المظهري: يعني: تفضيل الرجل نفسه على غيره، ليحقره، لا يجوز. اهـ.

وهذا كما في الحديث الآخر: يا أبا ذر، أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية. وهو في الصحيحين.

 أما الحسب المذكور في حديث أبي هريرة الذي في الصحيحين: تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك، فهو الحسب الخالي عما ذكرنا، وهو الذي يبحث عنه ويقصده، ويتحراه، من يريد نكاح المرأة.

 قال النووي: الصحيح في معنى هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة، فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع، وآخرها عندهم ذات الدين، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين، لا أنه أمر بذلك، قال شمر: "الحسب: الفعل الجميل للرجل، وآبائه"...

وفي هذا الحديث الحث على مصاحبة أهل الدين في كل شيء؛ لأن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم وبركتهم، وحسن طرائقهم، ويأمن المفسدة من جهتهم. اهـ.

 وأما حديث: تخيروا لنطفكم؛ فإن العرق دساس. فحديث ضعيف، ولا يحتج به، كما قال ابن الجوزي والعراقي وابن حجر والسيوطي وغيرهم، وانظر الفتوى رقم: 24520.

ولو صح، فإن معناه لا يعارض ما مر، بل هو شبيه بقوله في الحديث الآخر: فاظفر بذات الدين؛ لأن المراد: دساس في الصلاح، والأخلاق والعفاف، أي: تخيروا من البيت الطيب لأجل ذلك، فإنه في بعض طرقه من رواية أنس بن مالك بلفظ: تزوجوا في الحجز الصالح؛ فإن العرق دساس.

قال ابن الأثير في "غريب الحديث": الحجز -بالضم، والكسر-: الأصل. وقيل: بالضم: الأصل والمنبت، وبالكسر: هو بمعنى الحجزة، وهي هيأة المحتجز، كناية عن العفة، وطيب الإزار. وقيل: هو العشيرة؛ لأنه يحتجز بهم أي يمتنع. اهـ.

 يقول السفاريني في "غذاء الألباب": وقوله: فإن "العرق دساس" أي دخال بالتشديد؛ لأنه نزع في خفاء ولطف، ومعناه: أن الرجل إذا تزوج من منبت صالح، جاء الولد يشبه أهل الزوجة في الأعمال، والأخلاق، وعكسه. اهـ.

ويشهد لهذا المعنى ما رواه ابن ماجه والحاكم وغيرهما، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تخيروا لنطفكم، وانكحوا الأكفاء، وأنكحوا إليهم. من غير قوله: "فإن العرق دساس".

وقد رواه ابن ماجه في "باب الأكفاء" بعد حديث: إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه، فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض. وفيه إشارة منه إلى أن تخير النطف في الحديث الآخر هو لأجل الدين والفضيلة، لا لأجل النسب واللون.

قال السندي في حاشيته: قوله: (تخيروا لنطفكم) أي اطلبوا لها ما هو خير المناكح، وأزكاها، وأبعدها من الخبث والفجور. اهـ.

وترجم البخاري في الصحيح: باب: إلى من ينكح، وأي النساء خير، وما يستحب أن يتخير لنطفه من غير إيجاب، ثم روى حديث أبي هريرة: خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش؛ أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده، وهذا ظاهر في أن اعتبار التخير هو لأجل الخلق، لا لأجل النسب؛ ولذا علل صلى الله عليه وسلم خيرية نساء قريش بذكر أخلاقهن في حق الزوج والأولاد.

قال ابن حجر: اشتملت الترجمة على ثلاثة أحكام، وتناول الأول والثاني من حديث الباب واضح، وأن الذي يريد التزويج ينبغي أن ينكح إلى قريش؛ لأن نساءهن خير النساء، وهو الحكم الثاني.

وأما الثالث فيؤخذ منه بطريق اللزوم؛ لأن من ثبت أنهن خير من غيرهن، استحب تخيرهن للأولاد.

وقد ورد في الحكم الثالث حديث صريح، أخرجه ابن ماجه، وصححه الحاكم من حديث عائشة مرفوعا: تخيروا لنطفكم، وانكحوا الأكفاء، وأخرجه أبو نعيم من حديث عمر أيضا، وفي إسناده مقال، ويقوى أحد الإسنادين بالآخر. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة