الترهيب من الغيبة والنميمة، وفضل الإصلاح بين الناس

0 355

السؤال

يا شيخ لو سمحت، عندي استفسار عن الموقف الذي حدث بيني وبين أختي: كنت أوضح لأختي لماذا موقفي كذا، بأن ذكرت أفعال زوجة أخي،
فكانت أختي تسكتني ولا تريد أن تسمع، وتقول غيبة.
طيب، كيف ستفهم أختي المشكلة التي حدثت إذا لم أقل لها ماذا تفعل زوجة أخي؟
المشكلة تخص أبي، وزوجة أخي السبب، والذي حدث رأيته بعيني، ولم يخبرني به أحد.
الاستفسار الثاني: أختي أخبرت زوجة أخي بالذي حدث؛ لئلا تأخذ أختي ذنب الغيبة، فزوجة أخي أصبحت لا تجلس معي.
هل يعتبر فعل أختي نميمة، أو فتنة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فإن كانت المشكلة تخص والدكما، وكان لا بد في إصلاحها من ذكر ما فعلت زوجة أخيك، فليس ذلك من الغيبة المحرمة، إن كانت أختك يرجى أن تغير ذلك الأمر؛ لكون زوجة الأخ تستجيب لها، وتقبل نصائحها.

أما إن كانت لمجرد إبراد الغيظ، فلا يجوز ذلك؛ إلا أن تكون هذه المرأة ممن تضر بوالدك، أو بالأسرة، فينبغي التحذير من أفعالها لتجتنب.

وقد ذكر أهل العلم ستة مواضع لا تكون فيها الغيبة محرمة، منها: التحذير بقصد الإصلاح وتقليل الضرر، ومنها: الشكاية عند من يعين على تغيير المنكر. وقد نظمها بعضهم بقوله:

القدح ليس بغيبـة في ستة     متظلم ومعـرف ومحـذر

ولمظهر فسقا ومستفت ومن     طلب الإعانة في إزالة منكر

أما أختك -سامحها الله- فقد أخطأت خطأ أشد وأعظم مما فرت منه؛ لأنها وقعت في الغيبة والنميمة معا، فاغتابتك بذكر ما قلت لو قدر أنه محرم، وتسببت في عداوة زوجة أخيك لك وحملها عليك.

قال الإمام الذهبي في "الكبائر":  فكل من حرش بين اثنين من بني آدم، ونقل بينهما ما يؤذي أحدهما فهو نمام من حزب الشيطان، من أشر الناس؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: شراركم المشاؤون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، الباغون للبرءاء العنت. والعنت: المشقة. وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يدخل الجنة نمام، والنمام: هو الذي ينقل الحديث بين الناس، وبين اثنين بما يؤذي أحدهما، أو يوحش قلبه على صاحبه أو صديقه، بأن يقول له قال عنك فلان كذا وكذا، وفعل كذا وكذا، إلا أن يكون في ذلك مصلحة أو فائدة، كتحذيره من شر يحدث أو يترتب. اهـ.

فأختك هذه قد تكون فعلت ذلك جهلا منها وعن حسن نية، بأن فرت من إثم الغيبة، إلا أنها وقعت -من حيث لا تدري- في ما هو أشد، والله يعفو عنها، فننصحها بالتوبة إلى الله، والسعي في إصلاح ما أفسدت. يقول صلى الله عليه وسلم: كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون. والتوبة من هذا الذنب تكون بالسعي في إصلاح ما أفسدت بقدر الإمكان.

ولذا قال الذهبي بعد كلامه المذكور آنفا: فصل في الترغيب في الإصلاح بين الناس: قال الله تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما} قال مجاهد: هذه الآية عامة بين الناس، يريد أنه لا خير فيما يتناجى فيه الناس ويخوضون فيه من الحديث، إلا ما كان من أعمال الخير وهو قوله: {إلا من أمر بصدقة} ثم حذف المضاف {أو معروف} قال ابن عباس: بصلة الرحم، وبطاعة الله، ويقال لأعمال البر كلها معروف لأن العقول تعرفها، قوله تعالى: {أو إصلاح بين الناس} هذا مما حث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأبي أيوب الأنصاري: ألا أدلك على صدقة هي خير لك من حمر النعم؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: تصلح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقرب بينهم إذا تباعدوا، وروت أم حبيبة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كلام ابن آدم كله عليه لا له، إلا ما كان من أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو ذكر لله وروي أن رجلا قال لسفيان: ما أشد هذا الحديث! قال سفيان: ألم تسمع إلى قول الله تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف} الآية، فهذا هو بعينه، ثم علم سبحانه أن ذلك إنما ينفع من ابتغى به ما عند الله، قال الله تعالى: {ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما} أي: ثوابا لا حد له. وفي الحديث: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا، أو يقول خيرا رواه البخاري. وقالت أم كلثوم: ولم أسمعه صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاثة أشياء: في الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل زوجته وحديث المرأة زوجها. وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن بني عمرو بن عوف كان بينهم شر، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلح بينهم في أناس معه من أصحابه رواه البخاري. وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما عمل شيء أفضل من مشي إلى الصلاة، أو إصلاح ذات البين، وحلف جائز بين المسلمين وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أصلح بين اثنين أصلح الله أمره، وأعطاه بكل كلمة تكلم بها عتق رقبة، ورجع مغفورا له ما تقدم من ذنبه. وبالله التوفيق. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة