حكم تمني الموت لأمر دنيوي أو خوف الفتنة في الدين

0 120

السؤال

أريد أن أعرف حكم تمني الموت، خوفا من ذهاب الدين، والكفر.
وحكم أن أتمنى الموت قبل موت أهلي؛ لكيلا أشهد رحيلهم، فهم كل ما لدي، وأخاف أن تتضرر نفسيتي كثيرا، علما أن أمي سافرت لمدة أسبوعين للخارج، في تلك الفترة أصابني اكتئاب طفيف، لكني قاومته، وبفضل الله اختفى عند عودتها؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فأما تمني الموت لمجرد الخوف من موت أحد الأقارب، فهذا لا يجوز، كما فصلناه في الفتوى رقم: 322009.
وأما تمني الموت خوف الفتنة في الدين، فقد دل القرآن والسنة على جوازه، ففي كتاب الله تعالى عن مريم عليها السلام أنها قالت: يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا {مريم:23}.

قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: فيه دليل على جواز تمني الموت عند الفتنة، فإنها عرفت أنها ستبتلى وتمتحن بهذا المولود الذي لا يحمل الناس أمرها فيه على السداد، ولا يصدقونها في خبرها، وبعدما كانت عندهم عابدة ناسكة، تصبح عندهم فيما يظنون عاهرة زانية ... اهـ.

وقال القرطبي في تفسيرها أيضا: تمنت مريم عليها السلام الموت من جهة الدين لوجهين:

أحدهما: أنها خافت أن يظن بها الشر في دينها، وتعير، فيفتنها ذلك.

الثاني: لئلا يقع قوم بسببها في البهتان، والنسبة إلى الزنى، وذلك مهلك، وعلى هذا الحد يكون تمني الموت جائزا. اهـ.

 وأما السنة فقد جاء دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالموت خوف الفتنة في الدين، كما في حديث: وإذا أردت بعبادك فتنة، فاقبضني إليك غير مفتون. رواه أحمد والترمذي.
فإذا خاف العبد الصالح على دينه، فلا حرج عليه في تمني الموت، ولا يدخل هذا في النهي الوارد في حديث: لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به. متفق عليه.

قال الإمام النووي في شرح مسلم: فأما إذا خاف ضررا في دينه، أو فتنة فيه، فلا كراهة فيه؛ لمفهوم هذا الحديث وغيره، وقد فعل هذا الثاني خلائق من السلف عند خوف الفتنة في أديانهم. وفيه أنه إن خاف ولم يصبر على حاله في بلواه بالمرض ونحوه، فليقل: اللهم أحيني إن كانت الحياة خيرا . . . إلخ، والأفضل الصبر، والسكون للقضاء ... اهـ.
وقال الحافظ في الفتح: فإن وجد الضر الأخروي بأن خشي فتنة في دينه، لم يدخل في النهي، ويمكن أن يؤخذ ذلك من رواية بن حبان: لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به في الدنيا، على أن في هذا الحديث سببية، أي بسبب أمر من الدنيا، وقد فعل ذلك جماعة من الصحابة، ففي الموطأ عن عمر أنه قال: اللهم كبرت سني، وضعفت قوتي، وانتشرت رعيتي، فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط. وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر عن عمر، وأخرج أحمد وغيره من طريق عبس، ويقال عابس الغفاري أنه قال: يا طاعون خذني، فقال له عليم الكندي: لم تقول هذا، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت؟ فقال: إني سمعته يقول: بادروا بالموت ستا: إمرة السفهاء، وكثرة الشرط، وبيع الحكم الحديث .. اهــ.

والله أعلم.
 

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة