0 245

السؤال

ما معنى الاعتزاز بالدين؟ وكيف يعتز المرء بدينه؟ وإذا كان الشخص في بلاد غير المسلمين، فكيف يعتز بدينه أمامهم، دون أن يحتقرهم، أو يتكبر عليهم؟
وكيف يعتز بدينه، ويحسن التعامل مع غير المسلمين؟ جزاكم الله خيرا، وزادكم رفعة، وبارك في علمكم، وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن حقيقة العزة الشرعية المحمودة: هي العزة التي ترتبط بالله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم، فيعتز المرء بدينه، ويرتفع بنفسه عن مواضع المهانة، فهو لا يريق ماء وجهه، ولا يبذل عرضه فيما يدنسه، فيبقى موفور الكرامة، مرتاح الضمير، مرفوع الرأس، شامخ العرين، سالما من ألم الهوان، متحررا من رق الأهواء، ومن ذل الطمع، لا يسير إلا وفق ما يمليه عليه إيمانه، والحق الذي يحمله ويدعو إليه، جاء في كتاب منهج التربية الإسلامية لمحمد قطب: المؤمن قوي في كل حالاته، مستعل في كل حالاته: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}.

وتلك سمة من سماته، إنه لا يستعلي في السراء كبرا وانتفاشا كاذبا، وفرحا في الساعة الرخية، كلا، فما هذا استعلاء؛ وإنما هو كبر وغرور، لا يحبهما الإسلام، {ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور * واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير}، {ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا}، دعوة إلى التواضع، والقصد، والاعتدال، إنما الاستعلاء الحقيقي هو الاعتزاز بالله، والاعتزاز بالنفس، وصيانتها عن كل مذلة لغير الله، وكل دنس يصيبها، وكل خضوع لما يملك الإنسان دفعه من الأذى والضرورات، ومن ثم؛ فهو غير مقتصر على ساعات النصر، والغلبة، والرخاء.

فالتوجيه في الآية للمؤمنين بأنهم الأعلون، كان على إثر الهزيمة في المعركة، وغلبة الكفار، {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين * إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس}، فهم الأعلون حتى وهم منكسرون في الحرب، بل هم الأعلون منذ أول لحظة يدخل الإيمان في قلوبهم، وعدوهم ظاهر في الأرض، ومستحوذ على كل نصيب.

هذا الاستعلاء من أبرز سمات الإنسان المؤمن -وهو الإنسان الصالح- يصاحبه في كل موقف من مواقف حياته، فيملي عليه السلوك الذي ينبغي عليه أن يسلكه.

هو في وجه الظلم والعدوان مستعل، ولو كان في موقف الهزيمة؛ لأنه لا يستمد استعلاءه من النصر، فتفقده الهزيمة إياه، وإنما يستمده من الإيمان بالله، والاتصال به، ومن ثم؛ لا يفقده في الهزيمة، ويسترده في النصر، بل هو كامن في داخل نفسه، مصاحب لها في كل حال.

هو في وجه المغريات مستعل، ولو كان في حاجة؛ لأنه لا ينبغي له -وهو المؤمن المتصل بالله- أن يحيد عن منهج الله، ويخالف عن دستوره، من أجل كسب مهما يكن من عظمه، فهو حقير، ومهما يكن من كثرته، فهو زائل، ويبقى الله، وحساب الله، {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى}.

وهو في وجه الشهوات مستعل، ولو أحس بلذعها في أعصابه؛ لأنه -وهو المؤمن المتصل بالله- أكرم عند الله، وعند نفسه من أن يذل لشهوة تدنسه، وتمرغه في الوحل، من أجل متعة عابرة لن تغنيه، وسيجد أطيب منها في الحلال، ويجد أطيب منها دائما عند الله، وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله}.

وهو في وجه القيم الزائفة مستعل؛ لأنه يملك القيم الحقيقية المستمدة من الله، ومنهج الله، فلا تزلزله قيم زائفة من صنع البشر، لا ترفع ولا تخفض إلا في ظاهر الأمر، ولا يمكن أن تفرض نفسها على مشاعر المستعز بالله، والمستعز بنفسه وقيمه؛ لأنها لا تساوي شيئا في ميزانه، ولا تغير حقائق الأشياء، {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا * وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}.

والمستعلي على هذا النحو، لا يصعر خده للناس، ولا يمشي في الأرض مرحا، فذلك صغار هو يستعلي عنه، إنما يحترمه الناس، ويقدرونه من تلقاء أنفسهم؛ لأنهم يحسون أن بداخله "حقيقة" صلبة، لا خواء، ولا نفخة فارغة، نعم، هو في استعلائه لا يحتقر الناس، فليس من سمات الإنسان المؤمن -وهو الإنسان الصالح- أن يحتقر الآخرين.. إلا أن يكونوا ينالونه بالأذى، فهو يرد عن نفسه بأن يظهر لهم الاحتقار، وإذا كان الله قد صرح للمظلوم أن يجهر بالسوء من القول، وهو لا يحبه، {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم}, فهو كذلك يبيح رد عدوان الحقراء باحتقارهم، وإظهار الاستعلاء عليهم. اهـ.

وأما مظاهر الاعتزاز بالدين في بلاد غير المسلمين: فمن أجلاها: التمسك بشعائر الإسلام، والتحلي بآدابه، وإظهار تعاليمه، والدعوة إليه، وبثه ونشره، والمنافحة عنه، وعدم التحرج أو التواري بتشريعات الدين الحنيف التي لا تروق لأولئك الكفرة، وكل هذه المظاهر الحميدة، لا علاقة لها بالتكبر، أو نحوه من الأخلاق الذميمة.

وراجع الفتوى رقم: 252322.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة