الحكمة من مجيء النفي في سورة الإخلاص بلم دون لا

0 103

السؤال

لم النافية هي أداة نفي، وجزم، وقلب، تدخل على المضارع فتقلبه إلى الماضي، فهي تفيد النفي في الماضي، وهي أوكد من ما النافية، بينما لا النافية تفيد مطلق النفي في الماضي، والحاضر، والمستقبل، أليس من الأنسب أن يأتي النفي في سورة الإخلاص بلا النافية بدلا من ما النافية؛ لأنها تفيد مطلق النفي، فتقول: لا يلد، ولا يولد، ولا يكن له كفوا أحد ـ أي: لا يلد مطلقا، ولا يولد مطلقا، ولا يكن له كفوا أحد مطلقا، بدلا من: لم يلد، أي: في الماضي، ولم يولد، في الماضي، وهكذا؟ وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد ذكر بعض أهل التفسير الحكمة من مجيء النفي في الآيتين بـلم دون لا، وذلك أن عقيدة التوليد قد ادعاها أهل الشرك في الزمان الماضي، فكان الأنسب لرد هذه العقيدة الباطلة أن تبطل بنفيها في الماضي، وأيضا فنفي أن يكون لأحد والد، لا يكون إلا بنفيه في الزمن الماضي، فلا يصح أن ننفي عن أحد موجود زمن الخطاب أنه ليس له والد في المستقبل.

وأما قوله تعالى: ولم يكن له كفوا أحد {الإخلاص:4}، فجاء النفي فيها بـلم؛ لأنها مقررة لمضمون ما قبلها من المعنى المنفي في الزمن الماضي، أي: فلما تقرر أنه سبحانه لم يكن له ولد ووالد، كما ادعى أهل الشرك، ناسب أن يؤكد هذا النفي الماضي بنفي ماض آخر أعم وأشمل، فقال: ولم يكن له كفوا أحد {الإخلاص:4}، قال الإمام الشوكاني ـ رحمه الله ـ في فتح القدير: وإنما عبر سبحانه بما يفيد انتفاء كونه لم يلد ولم يولد في الماضي، ولم يذكر ما يفيد انتفاء كونه كذلك في المستقبل؛ لأنه ورد جوابا عن قولهم: ولد الله ـ كما حكى الله عنهم بقوله: ألا إنهم من إفكهم ليقولون * ولد الله {الصافات: 151ـ152}، فلما كان المقصود من هذه الآية تكذيب قولهم، وهم إنما قالوا ذلك بلفظ يفيد النفي فيما مضى، وردت الآية لدفع قولهم هذا، ولم يكن له كفوا أحد {الإخلاص:4}، هذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها؛ لأنه سبحانه إذا كان متصفا بالصفات المتقدمة كان متصفا بكونه لم يكافئه أحد، ولا يماثله، ولا يشاركه في شيء. انتهى.

وقال العلامة الطاهر ابن عاشور ـ رحمه الله ـ في التحرير والتنوير: وإنما نفى أن يكون الله والدا، وأن يكون مولودا في الزمن الماضي؛ لأن عقيدة التولد ادعت وقوع ذلك في زمن مضى، ولم يدع أحد أن الله سيتخذ ولدا في المستقبل، ولم يكن له كفوا أحد ـ في معنى التذييل للجمل التي قبلها؛ لأنها أعم من مضمونها؛ لأن تلك الصفات المتقدمة -صريحها، وكنايتها، وضمنيها- لا يشبهه فيها غيره، مع إفادة هذه انتفاء شبيه له فيما عداها، مثل صفات الأفعال، كما قال تعالى: إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له {الحج: 73}. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات