هل هذا المنهج صحيح في التقليد؟

0 110

السؤال

أنا أتبع منهجا عاما في التقليد: أبحث في المسألة عن مذهب ابن تيمية، فإن لم أجده تحدث فيها، أو تحدث فيها ولم أجد قوله، وأكرر الأمر نفسه بالبحث عن أقوال شيخنا ابن عثيمين، وإن لم أجد شيئا، أبحث في موقعكم عنها، وأراسلكم بما يعرض لي من أمور، فهل هذا المنهج منهج سوي، أم فيه خلل؟ وأحاول أيضا البحث في هذه المسائل عن خلاف العلماء فيها، وقد قرأت في مسألة التقليد والاجتهاد، ورأيت العلماء قد أطالوا الكلام في المسألة، وشرحوها شرحا وافيا، وقد علمت أن كثيرا من العلماء يقولون بجواز استفتاء عالم في مسألة، وبعدها تقليد عالم آخر في مسألة أخرى، ولا يجب التمذهب بمذهب معين، وإذا اختلف العلماء فإن كنت أهلا للاجتهاد، أو النظر في الأدلة والترجيح بين الأقوال، فهذا يلزمني، وأنا عامي لا أقدر على الاجتهاد ، وليس عندي من العلم ما يجعلني قادرا على الترجيح، فقرأت أن العلماء اختلفوا في ذلك، وكثير منهم على اتباع الأوثق والأعلم والأورع بالنسبة للشخص، وألزم نفسي أمام الله باتباع المنهج الذي ذكرته لكم، وأحرص أيضا على البحث في أقوال العلماء، فأحيانا أقرأ أن أبا بكر، أو عمر، أو غيرهما من الصحابة والتابعين ـ وهم لهم من الفضل، والمكانة، والعلم ما لهم ـ يقولون برأي مخالف للرأي الذي أتبعه، ولا شك أن هؤلاء مقدمون على من سواهم في العلم، والمنزلة، والمكانة، والثقة، فهل يكون منهجي خطأ في هذا الحال؛ لأنني لم أتبع قول الأوثق، والأورع من الصحابة؟ وأعلم أن شيخ الإسلام ابن تيمية له من العلم، والتقى ما يشهد له به كل منصف عاقل، وأنا أضعه في المنزلة الأولى بعد الصحابة، والتابعين في علمه، وفضله، فالصحابة، والتابعون لهم أعلى فضل، ومكانة بين المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونفس الأمر بالنسبة لشيخنا ابن عثيمين، فهو شيخ عالم جليل، له إسهاماته، ومكانته، وفضله بين العلماء، ولكن هناك علماء كبار -مثل أئمتنا الأربعة، وابن القيم، وغيرهم- وأرى أنه من الخطأ أن أظن أن علماء كهؤلاء أقل علما من شيخي ابن عثيمين مع تقديري له، ونفس الأمر بالنسبة لكم، وأراكم من أهل العلم المشهود لهم، فهل يلزمني أن أقوم بترتيب العلماء: الأوثق فالأوثق؟ وإذا لم أجد هذه المسألة عند الأوثق، أبحث عنها عند من يليه، وهكذا؟ وما تفسير قول شيخنا ابن تيمية: فإذا ترجح عند المستفتي أحد القولين: إما لرجحان دليله ـ بحسب تمييزه ـ وإما لكون قائله أعلم، وأورع، فله ذلك، وإن خالف قوله المذهب؟ وهل يقصد بذلك التأكيد على ما قلته: إنه يجب سؤال الأوثق، والأخذ برأيه، وإن كان خلاف قول المذهب؟ وهل باطلاعي على أقوال العلماء -كما أوضحت لكم- أكون آثما بما قلدته من أقوال على هذا المنهج إن كان منهجا فاسدا؟ وهذه المسألة تمثل إشكالا بالنسبة لي فعلا، وأواجه بسببها أزمة كبيرة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلم أنه يجب على كل مكلف اتباع الكتاب والسنة، وأنه متى ظهر له الدليل في مسألة وجب عليه اتباعه، وترجيحه على أي قول آخر، فإذا لم يستطع التمييز بين الأقوال، ولا الترجيح بينها قلد الأعلم، والأورع، وهذا هو مقصود شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فيما سألت، حيث قال: وأما تقليد المستفتي للمفتي: فالذي عليه الأئمة الأربعة، وسائر أئمة العلم أنه ليس على أحد، ولا شرع له التزام قول شخص معين في كل ما يوجبه، ويحرمه، ويبيحه، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن منهم من يقول: على المستفتي أن يقلد الأعلم الأورع ممن يمكنه استفتاؤه، ومنهم من يقول: بل يخير بين المفتين، وإذا كان له نوع تمييز، فقد قيل: يتبع أي القولين أرجح عنده بحسب تمييزه، فإن هذا أولى من التخيير المطلق، وقيل: لا يجتهد إلا إذا صار من أهل الاجتهاد، والأول أشبه، فإذا ترجح عند المستفتي أحد القولين: إما لرجحان دليله بحسب تمييزه، وإما لكون قائله أعلم وأورع، فله ذلك، وإن خالف قوله المذهب. انتهى.

وعليه؛ فما ذكرته من أنك تأخذ بفتاوى الصحابة، خصوصا الخلفاء الراشدين منهم ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ ثم من بعدهم أئمة التابعين، ثم من بعدهم شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ لاعتقادك أنه الأعلم والأوثق بعدهم، ثم بفتاوى الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ لاعتقادك أنه أعلم المعاصرين، وأوثقهم، فهذا المنهج الذي ارتضيته لنفسك في التقليد وأخذ الفتوى، جائز، ولكن متى ظهر لك دليل واضح من الكتاب، أو السنة على خلاف كلام من قلدته، وجب عليك اتباع الدليل، وترك كلام من قلدته، قال الإمام الشافعي -رحمه الله-: أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد. انتهى.

وللفائدة يرجى مراجعة الفتوى رقم: 241789.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة