معنى الشكر والزيادة في قوله تعالى: لئن شكرتم لأزيدنكم

0 131

السؤال

عندي استفسار حول تفسير الآية: لئن شكرتم لأزيدنكم ـ فكيف لي أن أعرف أنني قد أديت الشكر الواجب للنعمة على أكمل وجه؟ وهل هناك علامات لمعرفة ذلك؟ والزيادة، هل هي في الدنيا؟ أم يمكن أن تكون زيادة في الحسنات أو رفع الدرجات؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فعلامة شكرك لله تعالى أن تستشعر دائما تقصيرك في شكره سبحانه، وأنك مهما أثنيت عليه بنعمته، وكررت محامده، وأعملت لسانك وقلبك وجوارحك في القيام بحق شكره، فأنت مقصر في ذلك لا تصل منه إلى ما يستحقه الرب عز وجل. كيف والتوفيق للشكر نعمة تحتاج إلى شكر آخر فيتسلسل الأمر، كما قال محمود الوراق:

إذا كان شكري نعمة الله نعمة... علي له في مثلها يجب الشكر

فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله... وإن طالت الأيام واتصل العمر.

قال الألوسي رحمه الله: وللشكر مراتب، وأعلى مراتبه الإقرار بالعجز عنه، وفي بعض الآثار أن داود ـ عليه السلام ـ قال: يا رب كيف أشكرك والشكر من آلائك؟ فأوحى الله تعالى إليه الآن شكرتني يا داود، وقال حمدون: شكر النعمة أن ترى نفسك فيها طفيليا. انتهى.

وقال أيضا: فإن آتاه رحمة شكره أولا: برؤية ذلك منه جل شأنه بقلبه، وثانيا: باستعمال جوارحه في مراضيه وطاعاته والقيام بحقوقه تعالى فيها، وثالثا: بإطلاق لسانه بالحمد والثناء على الله تعالى، وبذلك يتحقق الشكر المشار إليه بقوله تعالى: وقليل من عبادي الشكور {سبأ: 13} وإلى ذلك أشار من قال: أفادتكم النعماء مني ثلاثة... يدي ولساني والضمير المحجبا ـ وبالشكر تزداد النعم، كما قال تعالى: لئن شكرتم لأزيدنكم {إبراهيم: 7} وعن علي كرم الله تعالى وجهه: إذا وصلت إليكم أطراف النعم، فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر. انتهى.

والحاصل أن على المكلف أن يعرف بقلبه نعمة الله عليه، وأن ما به من نعمة فمن الله، ثم يثني عليه سبحانه بنعمته بلسانه، ويستعمل نعم الله في مرضاته، فهذا شكر الجوارح، ثم هو مع هذا كله معترف بتقصيره وعجزه عن توفية المنعم حقه سبحانه وبحمده، ومما يعين على تكميل شكر الله تعالى الإكثار من ذكره سبحانه، فإن الذكر رأس الشكر، قال ابن القيم رحمه الله: أن الذكر رأس الشكر، فما شكر الله تعالى من لم يذكره، وذكر البيهقي عن زيد بن أسلم أن موسى عليه السلام قال: رب قد أنعمت علي كثيرا، فدلني على أن أشكرك كثيرا، قال: اذكرني كثيرا، فإذا ذكرتني كثيرا فقد شكرتني كثيرا، وإذا نسيتني فقد كفرتني، وقد ذكر البيهقي أيضا في شعب الإيمان عن عبد الله بن سلام قال: قال موسى عليه السلام: يا رب، ما الشكر الذي ينبغي لك؟ فأوحى الله تعالى إليه أن لا يزال لسانك رطبا من ذكري. انتهى.

فكثرة ذكرك لله تعالى من علامات قيامك بشكره سبحانه، وأما الزيادة الموعود بها في الآية في قوله: لأزيدنكم ـ فقد اختلفت عبارات السلف في التعبير عنها، وكلها حق، فهي تشمل الزيادة في الدنيا من النعم، كما تشمل الزيادة من ثواب الآخرة وأجرها، قال القرطبي رحمه الله: لئن شكرتم لأزيدنكم ـ أي لئن شكرتم إنعامي لأزيدنكم من فضلي، الحسن: لئن شكرتم نعمتي لأزيدنكم من طاعتي، ابن عباس: لئن وحدتم وأطعتم لأزيدنكم من الثواب، والمعنى متقارب في هذه الأقوال، والآية تنص في أن الشكر سبب المزيد، وقد تقدم في البقرة ـ 2ـ ما للعلماء في معنى الشكر، وسئل بعض الصلحاء عن الشكر لله، فقال: ألا تتقوى بنعمه على معاصيه، وحكي عن داود عليه السلام أنه قال: أي رب كيف أشكرك وشكري لك نعمة مجددة منك علي، قال: يا داود الآن شكرتني، قلت: فحقيقة الشكر على هذا الاعتراف بالنعمة للمنعم، وألا يصرفها في غير طاعته، وأنشد الهادي وهو يأكل: أنالك رزقه لتقوم فيه... بطاعته وتشكر بعض حقه فلم تشكر لنعمته ولكن... قويت على معاصيه برزقه فغص باللقمة، وخنقته العبرة، وقال جعفر الصادق: إذا سمعت النعمة الشكر فتأهب للمزيد. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات