الترغيب في ترك المعاملات المالية غير المشروعة

0 154

السؤال

منذ صغري وحلمي أن أصبح طيارا، وبعدما كبرت تفاجأت أن تعلم الطيران باهظ الثمن، وليست لدي أموال (فقير) بحثت عن طريق أحقق الربح السريع الكثير، فوجدت الفوركس. ولأني أبحث دائما، وأحب البحث، بحثت عن الحكم، فوجدت البعض يحل والبعض يحرم، وإني مع التحريم في داخل نفسي.
هل يجوز لي أن أعمل في الفوركس حتى أحقق الأموال، فأدرس الطيران، وأحقق حلمي، مع العلم أني سأعتزل الفوركس فور تحقيق المبلغ المطلوب وهو 60 ألف دولار، مع علمي أن الفوركس حرام، وأنه مال حرام؟
أم أني سأدخل في الحديث: كل جسم نبت من سحت، فالنار أولى به، ولا يستجاب دعائي، وأهلك في الدنيا والآخرة؟
رجاء أجيبوني مع العلم أن جميع المهن لا يمكن أن تحقق ربحا وفيرا كالفوركس في وقت وجيز، ولقد تعلمت الفوركس وكيفية التداول وما إلى ذلك، بقي العمل.
أم أنسى حلمي، وأعيش غير محقق لحلمي؟
مع علمي أن الفقراء أفضل من الأغنياء، وأن الفقراء في الجنة بالقرب من النبي صلى الله عليه وسلم، مع العلم أني سأشترك في الحساب الإسلامي (مع علمي أن الفوركس به مخالفات أخرى غير الفوائد اليومية) ولكنه أهون، وسأتصدق كثيرا، وسأساعد المحتاجين.
هل أفعل؟ أم أنتهي؟
جزاكم الله خيرا، وبارك فيكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فبغض النظر عن التفاصيل المذكورة، وعن نظام الفوركس ذاته، نقول من حيث الإجمال: لا يصح أن تتردد في ترك ما تعتقد حرمته، ولا بد من توطين نفسك على ترك ما حرم الله تعالى، وإن كان في الظاهر سيحقق لك حلمك! فإن رضا الله تعالى، هو غاية السعي والمنى، وهو الأهم والأنفع للعبد في الآخرة والأولى، ولا يجبر فقدانه شيء وإن حصلت الدنيا بما فيها، ولتعلم أن الآخرة خير وأبقى، وأن الدنيا منحة ومحنة، خلقها الله ابتلاء وفتنة، ثم بعدها إما إلى جنة وإما إلى نار، ولا مقارنة. قال تعالى: قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا [النساء: 77] وقال: وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون [الأنعام: 32].
ومع ذلك، فإن من أطاع الله تعالى في ترك ما تهواه نفسه، فقد أحسن، ولن يضيعه الله، وسيجزيه خيرا في الدنيا قبل الآخرة، قال تعالى: للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين [النحل: 30] وقال: نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين. ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون [يوسف: 56، 57]. وقال: من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة [النساء: 134].
فاتق الله، وآثر آخرتك على دنياك، تفز بهما جميعا، قال تعالى: من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب [الشورى: 20] وقال سبحانه: ومن يتق الله يجعل له مخرجا. ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا ... ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا [الطلاق2:4].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لن تدع شيئا اتقاء الله عز وجل، إلا أعطاك الله خيرا منه. رواه أحمد وصححه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم: من يستعف يعفه الله، ومن يتصبر يصبره الله. متفق عليه.
وإذا تقرر هذا، فلا تقدم على التعامل بنظام الفوركس؛ لما فيه من محاذير شرعية، سبق ذكرها في الفتوى رقم: 103860.

وأما الفوركس الذي يوصف بالإسلامي، فلا يغني عنه هذا الوصف شيئا، إلا إذا توفرت فيه جميع الضوابط الشرعية لصحة المعاملة، وهذا ما يصعب تحقيقه، ولا سيما لمن لا يملك رأس المال اللازم لهذه الاستثمار، وإنما سيعتمد على إقراض الوسيط. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 330133.
ثم ننبهك على أمرين:
الأول: أن نية التصدق بالكسب الحرام، لا تعفي صاحبها من الإثم، والمتصدق بالمال الحرام، لا أجر له على صدقته، وانظر الفتوى رقم: 39719.
والثاني: أن البحث عن سبل الربح السريع الكثير، على حد وصف السائل! مكتنفة بالمخاطر، سواء من الناحية الشرعية، أو من الناحية المعيشية، فكم قد سمعنا عن أغنياء افتقروا بسبب مثل هذه الطرق في الكسب. ولو كان الأمر مضمونا لتوجه إليه الناس كلهم، أو أكثرهم. ثم إن من الأمور البدهية في مثل هذا الاستثمار أنه لا يربح إنسان إلا بخسارة غيره في نفس مجاله، فلا يمكن أن يربح الجميع، فهناك من يربح؛ لأن هناك من يخسر!

وأخيرا نلفت نظر السائل إلى قوله تعالى: وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون [البقرة: 216]. فقد يكون من الخير له البعد عن العمل في مجال الطيران، وهو لا يدري! وانظر الفتوى رقم: 176147.  وتراجع الفتوى رقم: 70823

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات