كيف يصرف مال اليتيم إذا كان بين عدد من إخوته؟ وهل يجوز صرفه في حاجيات البيت؟

0 165

السؤال

هل يشترط في كفالة اليتيم أن يصرف المبلغ على اليتيم شخصيا، إذا كان بين عدد من إخوته؟ وهل على الأم حرج في أن تصرف المبلغ في حاجيات البيت بشكل عام؟ وهل تعتبر كفالة يتيم إذا صرف بشكل عام؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن المال الذي يخصص ليتيم يكون ملكا له، يصرف في مصالحه، ولا يجوز لأي أحد أن يأخذ منه شيئا، إلا بحق شرعي، فقد قال الله تعالى: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا {النساء:10}.

وقد عد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من المهلكات الموبقات، في الحديث الثابت في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات".

وإذا كان اليتيم مع أهله، فإنه ينفق عليه من ماله، ويشمل ذلك حاجاته الشخصية التي ينفرد بها، وحاجاته التي يشارك فيها أهله، فللأم أن تصرف من ماله في شراء المواد التموينية التي يشترك فيها أهل البيت، أو تأخذ من مال إخوته بقدر ذلك؛ لجواز مخالطة اليتامى لذويهم، إن أرادوا الاصلاح؛ لقوله تعالى: ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم {البقرة:220}.

وبناء عليه؛ فإن كان مصروف البيت طبيعيا ينفق منه في حاجات الأسرة الضرورية، كالأكل، وما أشبهه، فلا حرج في خلط نصيب اليتيم المكفول مع غيره، فإن الشرع أباح مخالطتهم، والتعامل معهم للمصلحة، ولا سيما إذا كان ذلك يطمئن قلوبهم، ويشرح صدورهم، وتأنس به نفوسهم، فإنه مطلوب شرعا؛ لما فيه من إدخال السرور على اليتيم، ورفع الحرج عن مخالطيهم، قال ابن كثير -رحمه الله-: عن ابن عباس، قال: لما نزلت: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن. وإن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا [النساء:10]، انطلق من كان عنده يتيم، فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعل يفضل له الشيء من طعامه، فيحبس له حتى يأكله، أو يفسد، فاشتد ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: ويسئلونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم. فخلطوا طعامهم بطعامهم، وشرابهم بشرابهم. رواه أبو داود، والنسائي. وهكذا ذكر غير واحد في سبب نزول هذه الآية، كمجاهد، وعطاء، والشعبي، وابن أبي ليلى، وقتادة، وغير واحد من السلف والخلف. وعن عائشة- رضي الله عنها-: إني لأكره أن يكون مال اليتيم عندي على حدة، حتى أخلط طعامه بطعامي، وشرابه بشرابي.

فقوله: قل إصلاح لهم خير: أي: على حدة، وإن تخالطوهم فإخوانكم. أي: وإن خلطتم طعامكم بطعامهم، وشرابكم بشرابهم، فلا بأس عليكم؛ لأنهم إخوانكم في الدين؛ ولهذا قال: والله يعلم المفسد من المصلح، أي: يعلم من قصده، ونيته الإفساد أو الإصلاح.

وقوله: ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم: أي: ولو شاء الله لضيق عليكم وأحرجكم، ولكنه وسع عليكم، وخفف عنكم، وأباح لكم مخالطتهم بالتي هي أحسن، قال تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن [الأنعام:152]. انتهى.

وقال السعدي في تفسيره: لما نزل قوله تعالى: إن الذين يأكلون اليتامى.. شق ذلك على المسلمين، وعزلوا طعامهم عن طعام اليتامى، خوفا على أنفسهم من تناولها، ولو في هذه الحالة التي جرت العادة بالمشاركة فيها، وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأخبرهم تعالى أن المقصود إصلاح أموال اليتامى بحفظها، وصيانتها، والاتجار فيها، وأن خلطتهم إياهم في طعام أو غيره، جائز على وجه لا يضر باليتامى؛ لأنهم إخوانكم، ومن شأن الأخ مخالطة أخيه. اهـ.

 وأما الأم، فلها أن تأكل من مال اليتامى إن كانت محتاجة، ولا سيما إذا فرغت نفسها لتربيتهم، والقيام عليهم، قال ابن عبد البر في الكافي في فقه أهل المدينة: وينفق على أم اليتيم من ماله، إذا كانت محتاجة. اهـ.

وقال القرافي في الذخيرة: وينفق على أم اليتيم من ماله إذا كانت محتاجة؛ لقوله تعالى: {وبالوالدين إحسانا}. اهـ.

وجاء في المحلى بالآثار لابن حزم: فإذا كانت أم اليتيم محتاجة، أنفق عليها من ماله، يدها مع يده، والموسرة لا شيء لها. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة