قصة مدعم، وجزاء الغلول من الغنيمة

0 134

السؤال

لقد سمعت الشيخ في الجامع، في يوم الجمعة، يحكي قصة رجل كان من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد سرق مرة شيئا ليست له قيمة، وكان هذا الرجل ذا منزلة عالية عند الرسول صلى الله عليه وسلم، فاستشهد في خيبر تقريبا، فقال الناس إنه استشهد، فقال الرسول: إنه في جهنم؛ لأنه قد سرق مرة.
وسؤالي هو: هل شخص يعمل صالحا، ويصلي ويصوم، ويؤدي الزكاة، ولا يسب، أو أي شيء، واقترف ذنبا واحدا. أليست حسناته أكثر من ذنوبه أم ماذا؟ أي لماذا يحاسب على شيء واحد، وكانت كل حياته جيدة، والدليل أنه كان ذا منزلة عظيمه عند الرسول صلى الله عليه وسلم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فالحديث الذي تشير إليه، أخرجه الشيخان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: افتتحنا خيبر، ولم نغنم ذهبا ولا فضة، إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط، ثم انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وادي القرى، ومعه عبد له يقال له: مدعم، أهداه له أحد بني الضباب، فبينما هو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه سهم عائر، حتى أصاب ذلك العبد، فقال الناس: هنيئا له الشهادة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل، والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم، لم تصبها المقاسم، لتشتعل عليه نارا فجاء رجل حين سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم بشراك أو بشراكين، فقال: هذا شيء كنت أصبته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: شراك -أو شراكان- من نار

وهو دليل على أن الغلول من الغنيمة من كبائر الذنوب، ولم يكن هذا الرجل ذا منزلة عند النبي صلى الله عليه وسلم -كما ذكرت- ولكنه كان عبدا أهدي إليه صلى الله عليه وسلم؛ كما في الحديث.

قال النووي في فوائد الحديث: فمنها: غلظ تحريم الغلول، ومنها: أنه لا فرق بين قليله وكثيره حتى الشراك، ومنها: أن الغلول يمنع من إطلاق اسم الشهادة على من غل إذا قتل. انتهى.

ثم إن هذا الرجل ما دام مات موحدا فمآله إلى الجنة، وإن عذب بسبب هذه الكبيرة التي ارتكبها، وليس في الحديث أنه يخلد في النار.

والقاعدة عند أهل السنة في أصحاب الكبائر أنهم تحت مشيئة الرب تعالى، إن شاء عذبهم بقدر ذنوبهم، وإن شاء عفا عنهم؛ لقوله تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء {النساء:48}.

وما دام هذا الرجل قد قضي به إلى النار، فإن سيئته تلك تربو على حسناته، فإن قاعدة الحساب يوم القيامة: أن من زادت حسناته على سيئاته دخل الجنة، ومن زادت سيئاته على حسناته، فهو تحت المشيئة.

قال جابر -رضي الله عنه-: من زادت حسناته على سيئاته، فذاك الذي يدخل الجنة بغير حساب، ومن استوت حسناته وسيئاته، فذاك الذي يحاسب حسابا يسيرا، ثم يدخل الجنة؛ وإنما شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أوبق نفسه، وأغلق ظهره. أخرجه الترمذي وغيره.

وفي تفسير البغوي: وقال ابن عباس: من زادت حسناته على سيئاته دخل الجنة، ومن زادت سيئاته على حسناته دخل النار، ومن استوت حسناته وسيئاته كان من أهل الأعراف، ثم يدخل الجنة بعد. انتهى.

والحاصل أن ربك تعالى لا يظلم أحدا، ولا يدخل النار إلا من استحق دخولها، ثم فضله تعالى واسع، فهو يعفو ويغفر لصاحب الكبيرة إن شاء، وإن شاء عذبه بقدر ظلمه، ثم مآله إلى الجنة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات