حكم التوبة العامة من الكبائر والصغائر

0 130

السؤال

ارتكبت عددا كبيرا من الكبائر، تكاد تكون ستين كبيرة من الكبائر السبعين التي ذكرها محمد بن عثمان الذهبي، فهل يجوز أن أتوب توبة واحدة تشملها كلها، وأطبق شروط التوبة مرة واحدة بنية كل الكبائر، فمثلا: أول شرط ترك المعصية، فأنوي وأترك الستين كبيرة، ثم الشرط الثاني الندم، فأندم على عصيان الله بهذه الكبائر بشكل خاص، وبالصغائر بشكل عام دون أن أتذكر الستين كبيرة، أندم فقط على عصيان الله؛ سواء بالكبائر بشكل خاص والصغائر بشكل عام، والشرط الثالث العزم، فأعزم على عدم عصيان الله نهائيا من كل معصية صغيرة كانت أو كبيرة؟ وهل لو فعل أحد كبيرة أو كبائر في الماضي، وأراد أن يتوب، وتكون نيته أنه يريد أن يتوب عن الكبائر التي فعلها، وهو لا يعلم ما الكبائر التي فعلها يصح ذلك؟ أم يجب على من أراد أن يتوب من الكبائر أن يتوب من كل كبيرة بمفردها بشكل مستقل، فمثلا: عن الزنا يترك الزنا ثم يندم على فعله، ثم يعزم على عدم الرجوع له؟ وهل يجوز أن يتوب المسلم كل يوم مثلا قبل النوم من كل الكبائر مرة واحدة؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فاعلم أنه مهما كان ذنبك عظيما، فإن عفو الله تعالى أعظم، ورحمته سبحانه قد وسعت كل شيء، فأقبل على ربك وتب إليه، وثق بسعة فضله، وواسع جوده، وعظيم مغفرته، وينفعك ما ذكرته من التوبة العامة مما تعلمه من الذنوب ومما لا تعلمه، فتب إلى الله توبة عامة مستوفية لجميع شروطها وأركانها آتية على ما تذكره من الذنوب وما لا تذكره وما تعلمه منها وما لا تعلمه، وتنفعك هذه التوبة دون اختصاص كل ذنب بتوبة خاصة، قال ابن القيم رحمه الله: المبادرة إلى التوبة من الذنب فرض على الفور، ولا يجوز تأخيرها، فمتى أخرها عصى بالتأخير، فإذا تاب من الذنب بقي عليه توبة أخرى، وهي توبته من تأخير التوبة، وقل أن تخطر هذه ببال التائب، بل عنده أنه إذا تاب من الذنب لم يبق عليه شيء آخر، وقد بقي عليه التوبة من تأخير التوبة، ولا ينجي من هذا إلا توبة عامة، مما يعلم من ذنوبه ومما لا يعلم، فإن ما لا يعلمه العبد من ذنوبه أكثر مما يعلمه، ولا ينفعه في عدم المؤاخذة بها جهله إذا كان متمكنا من العلم، فإنه عاص بترك العلم والعمل، فالمعصية في حقه أشد، وفي صحيح ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل، فقال أبو بكر: فكيف الخلاص منه يا رسول الله؟ قال: أن تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم ـ فهذا طلب الاستغفار مما يعلمه الله أنه ذنب، ولا يعلمه العبد، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: أنه كان يدعو في صلاته: اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت إلهي، لا إله إلا أنت ـ وفي الحديث الآخر: اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، خطأه وعمده، سره وعلانيته، أوله وآخره ـ فهذا التعميم وهذا الشمول لتأتي التوبة على ما علمه العبد من ذنوبه وما لم يعلمه. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات