السر في تعرض بعض السالكين للصعق والغشي عند الذكر وقراءة القرآن

0 108

السؤال

ما حكم من نسمع عنهم من السلف أنهم شهقوا عند سماع آيات القرآن، مع أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه كانوا أشد خوفا منهم، ولم يرد أنهم شهقوا.
فما السر في ذلك؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فالسر في ذلك قد بينه العلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وحاصله أن هؤلاء الذين حصلت لهم تلك الأحوال، إنما أتوا من جهة قوة الوارد عليهم، وضعف القلب عن القيام لهذا الوارد، ومن ثم حصل لهم ما حصل، ولما كانت قلوب السلف من الصحابة -رضوان الله عليهم- أشد قوة، استطاعت أن تحتمل مع فرط إيمانها ،هذه الواردات، دون أن تعرض لها هذه العوارض من الصعق والغشي ونحو ذلك.

  قال الشيخ -طيب الله ثراه-: وكذلك [كثير] من الأحوال التي تعرض لبعض السالكين: من الصعق والغشي، والاضطراب عند الذكر وسماع القرآن وغيره، ومن الفناء عن شهود المخلوقات، بحيث يصطلم ويبقى لا يشهد قلبه إلا الله، حتى يغيب بمشهوده عن نفسه. فمن الناس من يجعل هذا لازما لا بد لكل من سلك منه، ومنهم من يجعله هو الغاية ولا مقام وراءه، ومنهم من يقدح في هذا، ويجعله من البدع التي لم تنقل عن الصحابة.

والتحقيق أن هذا أمر [يقع] لبعض السالكين بحسب قوة الوارد عليه، وضعف القلب عن التمكين بحبه. فمن لم يجد ذلك: قد يكون لكمال قوته، وكمال إيمانه، وقد يكون لضعف إيمانه، مثل كثير من البطالين والفساق وأهل البدع. وليس هذا من لوازم الطريق، بل قد يستغني عنه كثير من السالكين، وليس هو الغاية، بل كمال الشهود بحيث يميز بين المخلوق والخالق، ويشهد معاني أسماء الله وصفاته، ولا يشغله هذا عن هذا. انتهى كلامه رحمه الله.

وأثبت الناس قلبا، وأربطهم جأشا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأمل كيف رأى ليلة المعراج من آيات ربه الكبرى ما لا يقادر قدره، فثبت قلبه، ولم يزغ بصره صلوات الله عليه، فأهل الولاية متفاوتون فيما يعرض لهم بحسب قوة قلوبهم.

قال المحقق ابن القيم رحمه الله: ولهذا رأى ما رأى في ليلة الإسراء وهو ثابت الجأش، حاضر القلب، لم يفن عن تلقي خطاب ربه وأوامره، ومراجعته في أمر الصلاة مرارا. ولا ريب أن هذا الحال، أكمل من حال موسى الكليم صلوات الله وسلامه عليهما. فإن موسى خر صعقا وهو في مقامه في الأرض، لما تجلى ربه للجبل، والنبي صلى الله عليه وسلم قطع تلك المسافات، وخرق تلك الحجب، ورأى ما رأى، وما زاغ بصره وما طغى، ولا [اضطرب] فؤاده ولا صعق صلوات الله وسلامه عليه، ولا ريب أن الوراثة المحمدية، أكمل من الوراثة الموسوية. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات