اختلاف العلماء في إدراك وشعور الجمادات بين كونه حقيقة أو مجازا

0 178

السؤال

هل الجمادات تشعر وتحس أم لا؟ بما أنها تسبح الله وتعبده بطريقتها؟ وهل إحساسها مرتبط ببقية الأشياء، لا أتحدث عن السماء والأرض والجبال والنبات فقط، ولكن عن كل شيء، عن الشجرة حين تقطع وتتحول إلى كرسي مثلا. فإن كانت الشجرة في الحالة الأصلية، تشعر، فهل يمكن للكرسي أن يشعر كذلك؟ أشعر أن الأمر بدأ يشعرني بالشفقة عليها لعدم اكتمال راحة هذه الجمادت بسبب تصرفنا معها، وأخاف أن يتطور هذا الفكر إلى مرض لدي؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فقد اختلف النظار والمتكلمون في الجمادات هل لها حس يخلقه الله فيها بحسبها؟ أم لا شعور لها ولا إدراك البتة؟ والقائل بأن لها شعورا بحسبها يستدل بظواهر قرآنية كقوله: وإن من شيء إلا يسبح بحمده {الإسراء:44}.

وقد أطال القرطبي الكلام في هذا الموضع ذاهبا إلى الظاهر مستدلا عليه بظواهر كثيرة من الكتاب والسنة، قال ابن كثير في تفسير قوله: وإن منها لما يهبط من خشية الله ـ ما يشقق فيخرج منه الماء وإن لم يكن جاريا، ومنها ما يهبط من رأس الجبل من خشية الله، وفيه إدراك لذلك بحسبه، كما قال: تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا {الإسراء: 44} وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: أنه كان يقول: كل حجر يتفجر منه الماء: أو يتشقق عن ماء أو يتردى من رأس جبل لمن خشية الله، نزل بذلك القرآن... وقد زعم بعضهم أن هذا من باب المجاز، وهو إسناد الخشوع إلى الحجارة كما أسندت الإرادة إلى الجدار في قوله: يريد أن ينقض {الكهف: 77} قال الرازي والقرطبي وغيرهما من الأئمة: ولا حاجة إلى هذا، فإن الله تعالى يخلق فيها هذه الصفة كما في قوله تعالى: إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها {الأحزاب: 72} وقال: تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن {الإسراء: 17} وقال: والنجم والشجر يسجدان {الرحمن: 6} أولم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيؤا ظلاله {النحل: 48} قالتا أتينا طائعين {فصلت: 11} لو أنزلنا هذا القرآن على جبل {الحشر: 21} وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله {فصلت: 21} وفي الصحيح: هذا جبل يحبنا ونحبه ـ وكحنين الجذع المتواتر خبره، وفي صحيح مسلم: إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن ـ وفي صفة الحجر الأسود: إنه يشهد لمن استلم بحق يوم القيامة ـ وغير ذلك مما في معناه. انتهى.

فإذا تقرر لك هذا، فإن من يرى أن ما نسب إلى الحجارة ونحوها من الجمادات مما ظاهره نسبة الشعور إليها مجاز، فلا إشكال على قوله، والذين يحملون ذلك على الحقيقة من العلماء يقولون إن الله يخلق فيها شعورا وإدراكا تسبح به بحسبها، وليس معنى ذلك أن لها إدراكا تاما كإدراك الحيوان، فهي لا تسمع ولا تبصر ولا تغني شيئا، كما قال إبراهيم لأبيه: يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا {مريم:42}.

وهذا محسوس مشاهد، ومن ثم، فهذا الوهم الذي عرض لك، والشفقة التي تعتريك على هذه الجمادات ليس لها ما يسوغها، سواء قلنا إن لها شعورا بحسبها أو ليس لها ذلك، وقد خلقها الله وسخرها لبني آدم، لما فيها من مصالحهم ومنافعهم، فالواجب شكر الله على ما أنعم به، لا الاسترسال مع هذه الأوهام والأفكار الرديئة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات