شؤم المعاصي والأدوية المفيدة لتركها

0 141

السؤال

بين فترة وأخرى أقع في معصية معينة ولا أستطيع تركها حتى أصبحت لا أتأثر بتلك المعصية، وأخاف أن يصبح جميع عملي هباء منثورا، وكلما صليت أو صمت أقول بأنها ستصبح هباء منثورا، فلماذا أصلي وأصوم؟ دلوني على شيء لكي أترك هذه المعصية، علما بأنني حاولت مرارا وتكرارا فلم أستطع تركها.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فالذي يعينك على ترك هذه المعصية أمور، منها أن تعرف قبح المعاصي وشؤمها وخطرها على العبد في دنياه قبل أخراه، وخذ هذه الشذرة من كلام ابن القيم ـ رحمه الله ـ تدلك على ما وراءها، يقول قدس سره في الداء والدواء: فما ينبغي أن يعلم، أن الذنوب والمعاصي تضر، ولا بد أن ضررها في القلب كضرر السموم في الأبدان على اختلاف درجاتها في الضرر، وهل في الدنيا والآخرة شر وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي، فما الذي أخرج الأبوين من الجنة، دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب؟ وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه فجعل صورته أقبح صورة وأشنعها، وباطنه أقبح من صورته وأشنع، وبدل بالقرب بعدا، وبالرحمة لعنة، وبالجمال قبحا، وبالجنة نارا تلظى، وبالإيمان كفرا، وبموالاة الولي الحميد أعظم عداوة ومشاقة، وبزجل التسبيح والتقديس والتهليل زجل الكفر والشرك والكذب والزور والفحش، وبلباس الإيمان لباس الكفر والفسوق والعصيان، فهان على الله غاية الهوان، وسقط من عينه غاية السقوط، وحل عليه غضب الرب تعالى فأهواه، ومقته أكبر المقت فأرداه، فصار قوادا لكل فاسق ومجرم، رضي لنفسه بالقيادة بعد تلك العبادة والسيادة، فعياذا بك اللهم من مخالفة أمرك وارتكاب نهيك، وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رأس الجبال؟ وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودمرت ما مر عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابهم، حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة؟ وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم؟ وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم، ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها، فأهلكهم جميعا، ثم أتبعهم حجارة من السماء أمطرها عليهم، فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمة غيرهم، ولإخوانهم أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد؟ وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل، فلما صار فوق رءوسهم أمطر عليهم نارا تلظى؟ وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم، فالأجساد للغرق، والأرواح للحرق؟ وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟ وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات، ودمرها تدميرا؟ وما الذي أهلك قوم صاحب يس بالصيحة حتى خمدوا عن آخرهم؟ وما الذي بعث على بني إسرائيل قوما أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار، وقتلوا الرجال، وسبوا الذرية والنساء، وأحرقوا الديار، ونهبوا الأموال، ثم بعثهم عليهم مرة ثانية فأهلكوا ما قدروا عليه وتبروا ما علوا تتبيرا؟ وما الذي سلط عليهم أنواع العقوبات، مرة بالقتل والسبي وخراب البلاد، ومرة بجور الملوك، ومرة بمسخهم قردة وخنازير، وآخر ذلك أقسم الرب تبارك وتعالى: ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب {سورة الأعراف: 167} قال الإمام أحمد حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا صفوان بن عمر وحدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال: لما فتحت قبرص فرق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، فرأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكي، فقلت: يا أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله، فقال: ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى. انتهى.

وله تتمة سابغة، بل الكتاب في جملته معقود لهذا الغرض، فانظره ففيه فائدة جمة.

ومنها: أن تستحضر اطلاع الله عليك وإحاطته بك، وأنه أقرب إليك من حبل الوريد فتستحييه سبحانه وتستنكف لنفسك أن تبارز الولي الحميد المنعم بجلائل النعم ودقائقها بهذه المخالفة، وتخشى سطوته وعقابه سبحانه وبحمده، وتعلم أن الله إذا غضب لم يقم لغضبه شيء.

ومنها: أن تجاهد نفسك صادقا، وأن تعلم أنك متى صدقت في المجاهدة صحبك التوفيق ولا بد، فإن الله يقول ولا أحد أصدق منه قيلا: والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا {العنكبوت:69}.

ومنها: أن تجتهد في التضرع والدعاء، فإن الدعاء بإخلاص وصدق مفتاح لكل خير، ومدفعة ـ بإذن الله ـ لكل شر، فتعوذ بالله من الشيطان ومن النفس الأمارة بالسوء ومن شرور نفسك وسيئات عملك، وادع الله أن يثبتك على دينه، ويصرف قلبك على طاعته، وأن يجنبك أسباب معصيته، وتيقن أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، فلا تحول عن معصية ولا قوة على طاعة إلا بإرادته وتوفيقه، والقلوب بين إصبعين من أصابعه سبحانه يقلبها كيف يشاء، فعلق قلبك به والجأ إليه بضراعة وإخلاص تجد التوفيق مصاحبا لك.

ومنها: أن تجانب الأسباب الموقعة لك في هذه المعصية، وأن تترك صحبة الأشرار الذين يحملونك عليها، وأن تصاحب أهل الخير الذين تذكرك صحبتهم بالله ويعينونك على طاعته، وأن تلزم مجالس الذكر وحلق العلم، ولا تيأس من التوبة مهما تكرر منك الذنب، فمهما أذنبت فتب بصدق، ثم إذا عدت فعد وتب، ولا تمل التوبة فإن الشيطان ود لو ظفر منك بهذه فتستحسر حينئذ وتدع العمل، والله لا يزال يقبل توبة العبد ما تاب العبد إليه، نسأل الله أن يمن علينا وعليك بالتوبة النصوح.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات