سر ذكر الله الوالدين في قوله تعالى: "رب أوزعني أن أشكر نعمتك ..."

0 266

السؤال

"رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي" لماذا ذكر الله سبحانه وتعالى الوالدين في هذا الموضع؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد: 

فقد ورد هذا الدعاء مرتين في القرآن: أحدهما: على لسان سليمان -عليه السلام- حين فهم حديث النملة، فقال: رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين {النمل:19}.

 وفي سر ذكر الوالدين هنا، يقول الألوسي -رحمه الله-: علي وعلى والدي: أدرج ذكر والديه، تكثيرا للنعمة؛ فإن الإنعام عليهما، إنعام عليه من وجه مستوجب للشكر، أو تعميما لها؛ فإن النعمة عليه -عليه السلام- يرجع نفعها إليهما، والفرق بين الوجهين ظاهر، واقتصر على الثاني في الكشاف، وهو أوفق بالشكر. وكون الدعاء المذكور بعد وفاة والديه -عليهما السلام- قطعا، ورجح الأول بأنه أوفق بقوله تعالى: اعملوا آل داود شكرا [سبأ: 13] بعد قوله سبحانه: ولقد آتينا داود منا فضلا [سبأ: 10] إلخ، وقوله تعالى: ولسليمان الريح [الأنبياء: 81، سبأ: 12] إلخ، فتدبر، فإنه دقيق. انتهى.

 وأما الموضع الثاني، فهو في سورة الأحقاف في قوله جل ذكره: حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين {الأحقاف:15}.

وقد أتى هذا القول بعد الوصية بالوالدين إحسانا، ومن ثم؛ فمناسبة ذكر الوالدين هنا ظاهرة جدا، فإنه من تمام برهما، وشكرهما، والإحسان إليهما، أن يدعو لهما، ولا ينساهما في دعائه مع دعائه لنفسه، قال الطاهر بن عاشور -رحمه الله-: والمعنى: حتى يبلغ أشده، أي: يستمر على الإحسان إليهما إلى أن يبلغ أشده، فإذا بلغه قال: رب أوزعني، أي: طلب العون من الله على زيادة الإحسان إليهما: بأن يلهمه الشكر على نعمه عليه وعلى والديه.

ومن جملة النعم عليه أن ألهمه الإحسان لوالديه.

ومن جملة نعمه على والديه أن سخر لهما هذا الولد ليحسن إليهما، فهاتان النعمتان أول ما يتبادر عن عموم نعمة الله عليه وعلى والديه؛ لأن المقام للحديث عنهما. وهذا إشارة إلى أن الفعل المؤقت ببلوغ الأشد وهو فعل قال رب أوزعني، من جملة ما وصي به الإنسان، أي: أن يحسن إلى والديه في وقت بلوغه الأشد.

فالمعنى: ووصينا الإنسان حسنا بوالديه حتى في زمن بلوغه الأشد، أي: أن لا يفتر عن الإحسان إليهما بكل وجه حتى بالدعاء لهما. وإنما خص زمان بلوغه الأشد؛ لأنه زمن يكثر فيه الكلف بالسعي للرزق؛ إذ يكون له فيه زوجة، وأبناء، وتكثر تكاليف المرأة، فيكون لها فيه زوج وبيت وأبناء، فيكونان مظنة أن تشغلهما التكاليف عن تعهد والديهما، والإحسان إليهما، فنبها بأن لا يفترا عن الإحسان إلى الوالدين.

ومعنى: قال رب أوزعني، أنه دعا ربه بذلك، ومعناه: أنه مأمور بالدعاء إليهما بأنه لا يشغله الدعاء لنفسه عن الدعاء لهما، وبأنه يحسن إليهما بظهر الغيب منهما حين مناجاته ربه، فلا جرم أن إحسانه إليهما في المواجهة حاصل بفحوى الخطاب، كما في طريقة الفحوى في النهي عن أذاهما بقوله تعالى: فلا تقل لهما أف [الإسراء: 23].

وحاصل المعنى: أن الله أمر بالإحسان إلى الوالدين في المشاهدة، والغيبة، وبجميع وسائل الإحسان الذي غايته حصول النفع لهما، وهو معنى قوله تعالى: وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا [الإسراء: 24]، وأن الله لما أمر بالدعاء للأبوين، وعد بإجابته على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم بثه في صدور الرجال، وولد صالح يدعو له بخير.

وما شكر الولد ربه على النعمة التي أنعمها الله على والديه، إلا من باب نيابته عنهما في هذا الشكر، وهو من جملة العمل الذي يؤديه الولد عن والديه. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات